عقيدة الثأر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسوأ ما في الربيع العربي، توليده لتقسيمات وجدانية تتجاوز بكثير خطورة التقسيمات الجغرافية داخل البلد الواحد، والتقسيم الجغرافي، قابل للتغيير، أما الوجداني فمستحيل.

في البيئة السورية مثلاً، تسمع دوماً هذه التصنيفات، سني علوي درزي مسيحي، وما هو أخطر من تشظية الهوية الواحدة، تحول الوجدان من حالة جمعية توحد كل مكونات أي بلد، إلى وجدان ثأري يرغب بالانتقام، وكثيراً ما سمعت من سوريين يقولون إنهم سينتقمون أشد الانتقام، بعد سقوط النظام من كل واحد علوي، يعرفونه أو لا يعرفونه.

الرغبة بالثأر، يعرفها كل طرف آخر مهدد، وبالتالي يدافعون عن مصالحهم بعنف لأنهم يعرفون أن سقوط النظام، سيؤدي إلى الثأر الدموي منهم، وهكذا يتحول النظام إلى حاضنة حماية أمنية واجتماعية وسياسية، يتم الدفاع عنها. القصة ذاتها، شهدناها في العراق.

فالشيعة يقولون إنهم كانوا مضطهدين زمن صدام حسين، ولما سقط النظام، انشطر الوجدان العراقي إلى مكونات عدة، برغم أن الجغرافيا واحدة وولا تزال واحدة، فيما الوجدان انقسم إلى سنة وشيعة وأكراد، وثقافة الثأر ذاتها انفجرت بعد سقوط نظام صدام فتم الثأر من السنة في العراق، عراقيين وفلسطينيين، والسنة العراقيون ذاتهم أنتجوا تنظيمات متشددة تثأر كل يوم من العراقيين الشيعة، وأياً كانت مآلات العراق، فإن الثأر متواصل، وكل قوي يثأر من سابقه في القوة.

هذا يعني أن إمكانيات التصالح داخل الوجدان العربي في أقل مستوياتها، ويمكن قراءة نماذج أخرى على النسق ذاته، والسؤال المهم يتعلق حقاً، حول السيناريو المقبل في دول كثيرة، وهل سيكون الثأر عنواناً لما بعد سقوط الأنظمة إلى ألف عام مما يعدون، أم أن إرادات كثيرة ستنزع إلى فصل المكونات عن بعضها البعض، حقناً للدماء، وإيقافاً للثأر وبالتالي تحويل التقسيم الوجداني إلى جغرافي. في كل الحالات فإن الخلاصة مؤسفة جداً. فالإنسان العربي بلا قيمة ولا وزن.

قتله يجري لأي سبب. والقاتل والمقتول لا يختلفان عن بعضهما البعض، ولا أحد قادر على تجفيف الدماء، أو خفض منسوب الكراهية في العرق العربي عموماً، وهي كراهية متجذرة لأسباب دينية ومذهبية وقبلية واقتصادية. إذا لم تكن الشعوب قادرة على التخلص من عقيدة الثأر فهذه كارثة، لأنها تعني أن الدم سيتواصل، ولا مستقبل لهذه الشعوب، بوجود حكامهم الحاليين، أو حتى بعد رحيلهم.

 

Email