من مِنا لم تراوده نفسه بأداء تلك الشعيرة العظيمة والوقوف على الصعيد الطاهر والمشاعر المقدسة. إنه حُلم كل مسلمٍ ومسلمة أن يطأ بقدميه مواطئ الأنبياء والصالحين، ويغمر قلبه بروحانية المكان وشرف العبادة، فمنذ أن رفع إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام القواعد من البيت، ومنذ أن أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، ومنذ تلك الأزمان البعيدة وهذه المنطقة مقصد المسلمين، وإليها تُشد الرحال.. ثم ازدادت شرفاً وفخراً حينما خصها الله تعالى بأن جعلها مهبط الوحي، ومبعث الرسالة التي اختتم بها الدين. وصارت الديار المقدسة تشهد توافد ضيوف الرحمن كل عام، قاصدين مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وقاصدين إلى المسجد النبوي في المدينة المنورة للصلاة فيه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويأتي موسم الحج كل عام وتتضاعف فيه المسؤوليات، حيث يحتشد المسلمون من مختلف أنحاء العالم، ومن مختلف الجنسيات والثقافات.

يحتشدون في مكان واحد، يؤدون مناسك واحدة، ويعايشون ظروفاً واحدة في بقاع موحدة، جمعت بين قلوبهم وأفئدتهم قبل أن تجمع أجسادهم، في موقف إيماني مهيب في تلك البقاع الطاهرة.

لذا قامت حكومة المملكة مشكورة على أعظم توسعة وتطوير تاريخية في عمارة المسجد الحرام، وفي توسعة المسعى بين الصفا والمروة، وتطوير جسر الجمرات الذي أتاح للحجاج رمي الجمرات بلا مشكلات من الزحام والتكدس، حيث أصبح بمقدور أكثر من ثلاثمئة ألف حاج كل ساعة المرور دون عوائق على الجسر الجديد بعد توسعته.. ومن أهم الخدمات المقدَّمة كذلك، وسائل النقل الحديثة بزيادة إسهام قطار المشاعر وحركة الحافلات، كل ذلك سهّل تنقل الحجاج بين المشاعر في صعودهم ونفرتهم بسهولة ويُسر.

إن من أجمل ما قرأت من عبارات المسلمين المتشوقين إلى الحج، عبارة قالها أديب هندي مسلم، معبراً عن مشاعره نحو الحج، »الحجُّمعاهدة كبرى، سطَّرها إبراهيم بقلم من نور«، لذا فهي رحلة العُمر. هي رحلة يجب ألاّ ننجرف وراء عواطفنا ونؤديها مرة أخرى، لنتيح لمن أتوا من آخر بقاع الأرض أن يؤدوها بيسر وسلامة.