قصة من لندن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا في البرلمان البريطاني، في «وستمنستر» والوفد سياسي، وأجواء لندن باردة كالعادة، والوفد مثل وفود عربية كثيرة، تأتي لتتسوق، وقليل منها يأتي ليعمل، وكان لافتاً للانتباه أن النواب البريطانيين الذين كنا نلتقيهم، قبل أن نقابل وزير الخارجية البريطانية عام خمسة وتسعين، لديهم ملفات مسبقة عن كل شخص في الوفد، فيمازحون فلاناً، حول اتجاهه السياسي، ويذكرون فلاناً بأنه درس في اليونان مثلًا.

في المقابل كان وفدنا مثيراً للتندر، فيجالس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني ويحدثه عن حاجة العالم العربي لمنح جامعية، ويجالس رئيس لجنة الصحة، ويحدثه عن سياسات لندن السيئة في العراق.

والنواب البريطانيون يعجبون من هذا الحديث المتشعب في كل شيء، مثل «طبيخ الشحادين» والذي لا يركز على شيء، وكانت الصاعقة للوفد، إذ جلس إلى لجنة نيابية مهمة، وفجأة، قال رئيس اللجنة للوفد بلغة عربية شبه سليمة بعد أن شعر بملل من مستوى النقاش وشتم كل أعضاء الوفد لليهود وتخريبهم للعالم.

فقال: «ستعرفون فعلاً أن التكرار يُعلم الهمار»؛ قاصداً المثل الشهير أن «التكرار يعلم الحمار»، وانتهى اللقاء بشكل غريب، بعد أن تعكر مزاج رئيس اللجنة من مستوى الوفد السياسي وطبيعة مناقشاته وعدم إدراكه لطبيعة السياسة البريطانية التي يشارك اليهود في صناعتها، فيما تعكر مزاج وفدنا من الاكتشاف المتأخر أن النائب البريطاني يجيد العربية.

عدنا يومها إلى الفندق، ورئيس الوفد دعانا لاحقاً إلى اجتماع عاجل، فهرولنا مثنى وثلاث ورباع، بعد أن علم رئيس الوفد متأخراً أن رئيس اللجنة هو رئيس اللوبي اليهودي في البرلمان البريطاني، وهو متنفذ جداً.

وكان يرتجف خوفاً من اتهامه بالتطبيع، متسائلاً: كيف يجلسون إليه وهم لا يعرفون أنه زعيم اللوبي اليهودي، في البرلمان، ولو عرفوا لما شتموا اليهود أمامه! وجلس أعضاء الوفد إلى مائدة العشاء، يحللون بنهم لا يخلو من لحم وشراب، مَثَل النائب «التكرار يعلم الهمار» وما الذي كان يقصده بالضبط؟!.

مرت الأيام، وما زلت أفكر في أننا ما زلنا حقاً لا نتعلم، وما زالت الدروس تتنزل على هذه الأمة من شتى الاتجاهات، ومازال عزمهم هم أيضا، في عزه، لإذاقتنا المرارة تلو المرارة.

 

Email