في بيت الرئيس!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدنيا رمضان، وبعد الإفطار بساعتين، حلقت طائرتنا من بغداد إلى السليمانية للقاء رئيس العراق آنذاك جلال الطالباني. في بالي لحظتها ونحن في مطار بغداد القريب من المنطقة الخضراء، مشهدنا كوفد سياسي برئاسة رئيس الحكومة الاردنية، والجانب العراقي الذي يرأسه نوري المالكي، وقد اختلف الجانبان على الافطار، على أي أذان يفطرون يومها، فأفطر بعضنا وتأخر بعضنا على ذات المائدة، وكنت أقول إننا أمة لم نتفق بعد على موعد الافطار، فكيف سنتفق على بقية القضايا؟ بقي المشهد في بالي والطائرة تهبط باتجاه كردستان.

وسيارات الرئاسة تأخذنا إلى بيت الرئيس، والصحافيون الاربعة مع رئيس الحكومة الاردنية تسللوا، كعادة الصحفيين، الى المباحثات المغلقة، ولم يعرف الاكراد يومها ان الجالسين ببذلاتهم ليسوا رسميين، وعليك ان تتأمل بكل شغف، الكلام الحساس الذي قيل في الاجتماع المغلق، ويومها ترك الرئيس الطالباني كل الملفات العراقية الاردنية.

وانشغل بأداء المالكي، وكان يشكو بمرارة من اداء رئيس الحكومة وسلسلة تحالفاته، ما دفع رئيس الحكومة الاردنية يومها الى التبسم بمرارة، فلا هو قادر على ابداء رأي معاكس، ولا يجوز اساساً مطابقة الطالباني في رأيه ضد المالكي، وكان واضحاً أن الانقسام في العراق عميق جداً، وينتظر لحظة الترسيم الكامل.

مناسبة الكلام، ما تسمعه في كل مكان عن رغبة العرب ببقاء العراق موحداً، وهي ذات الرغبة التي تسمعها إزاء دول عربية اخرى تتعرض لأزمات، ولا يجرؤ احد على الاعتراف بأن التقسيمات تمت وانتهت، وجدانيا ومذهبياً وطائفياً وعرقياً ودينياً.

وأن بلورة الامر بصورته النهائية قريبة جداً، لان التقسيم الجغرافي والاعتراف بكيانات جديدة، تحصيل حاصل لكل السنين الفائتة التي تم فيها التقسيم الوجداني، وفرط المكونات الى مجموعات متناثرة، واذا كان اهل بلد واحد ودين واحد، لا يتفقون على موعد الافطار لخلافات فقهية.

ولا يتفقون على برنامج وطني لوجود خلافات سياسية ونزعات انفصالية، فهذا يعني أن هوس التشظية بدأ بما هو ابسط وامتد الى ما هو اكبر، واليوم يمكن القول بصراحة، ان التقسيم الجغرافي نتيجة طبيعية جدا لدول عربية مثل العراق وسورية، بعد ان نجح الجميع في مخطط التقسيم الوجداني.

علينا ان ننتظر ستة كيانات جديدة في المنطقة، من اصل العراق وسورية، والذي لديه رأي آخر - غير عاطفي - فليتفضل وليسمعنا اياه، وليقنعنا بالكيفية السحرية التي سيعاد بها لصق كل هذه الشظايا الوطنية!

Email