لسنا همجاً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تحظى قضية المسيحيين في المشرق العربي بأي اهتمام، باستثناء بيانات يتيمة من هنا أو هناك، أمام ما نراه من عمليات تطهير مؤلمة. الوجدان العربي المسيحي مجروح، إذ يشعر بأن عملية نزع المسيحيين من المنطقة تجري تحت عناوين مختلفة، من فلسطين التي تم تهجير المسيحيين فيها، بتسهيل تأشيرات الهجرة إلى الغرب، مروراً بما نراه في سوريا والعراق ومصر، ودول أخرى.

أياً كان من يخطط لرسم صورة المسلمين باعتبارهم همجاً لا يقبلون رأياً آخر، أو لتوريط بعض الناطقين باسم الدين في حروب التصفية الجسدية والوجدانية للمسيحيين، فإن المآلات واحدة، أي تشظية المنطقة، وطرد المسيحيين منها.

نحن أمام مخطط كبير لاستعداء العالم على المسلمين، من جهة، ثم تحطيم بنى المنطقة، وتكريس فكرة يهودية إسرائيل، باعتبار أن أهل المنطقة يريدون كيانات نقية من أي دين آخر. لا بد أن يقال هنا أمران، أولهما أن كل ما يجري ليس له علاقة بطبيعة بنى المنطقة الاجتماعية عند المشارقة والمغاربة، لأننا عشنا سوياً دون تمييزات دينية أو مذهبية طوال تاريخنا، ولا يمكن أن يقال اليوم ببساطة إن من يرتكبون هذه الحماقات يمثلوننا.

ثانيهما أن هذا البلاء، أي بلاء التشظية والفرقة والنزاعات الدينية، ليس حكراً على المسلمين والمسيحيين، فذات المسلمين يخضعون لحرب اكثر قسوة، بين مذاهبهم الدينية، وصراعاتهم السياسية، حتى وصل الأمر مرحلة يتم فيها تطهير الحي الواحد من المسلمين، من جانب مسلمين آخرين، والقصة أيضا تمتد إلى ألوان الفصائلية المتطرفة المقتتلة معاً، واللافت للانتباه هو هذه الهشاشة التكوينية، إذ سرعان ما تجاوب كثيرون مع هذه الحروب ومتطلباتها.

ورغم أن دولاً أخرى غربية تعاني من مشكلات على خلفيات مذهبية، إلا أن الجمهور عموماً ما زال متماسكا ويأبى جر بلاده ومنطقته إلى حرب دينية أو طائفية. الوجدان العربي المسيحي مجروح، لأنه يشعر بأن حاضنته الاجتماعية التاريخية تتفرج عليه وهو يتعرض للتنكيل، لكننا نقول بصراحة إن كل المنطقة تتعرض للتنكيل تحت شعار أن كل شيء قابل للقسمة على اثنين، وهذا يعني أن أهل المنطقة لا يفرطون أو يتهاونون في أمر العربي المسيحي، باعتباره ليس صاحب شأن حتى لو ذبحوه، لكنه يعني بشكل واضح، أن كل أهل المنطقة تحت سياط بلاء واحد، لم يترك أحداً من شره، والخلاصة أننا جميعاً سواء أمام هذا البلاء، ولا فضل لعربي على عربي هنا، إلا بالسلامة فقط. المشكلة حصرياً في محركات هذه البلاءات، ثم في تجاوب الدهماء مع سحرها ونفثها.

Email