الجنرال!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر أمة لديها جنرالات تقاعدوا، وباتوا محللين عسكريين على الشاشات التلفزيونية، هي الأمة العربية، ولا جنرال من هؤلاء لديه نصر في سيرته الذاتية ولا معركة.

ظاهرة الجنرالات الذين خلفهم تلال من الهزائم، ظاهرة متفشية، والعجيب هنا، أنهم يريدون أن نصدق كل تحليلاتهم عبر شاشات التلفزة، وكأن اللسان المعسول وتوظيف مصطلحات عسكرية، وبضعة خرائط يمنح هذا الجنرال أو ذاك صدقية في تحليلاته.

فيما شرعية أي جنرال مستمدة على ما هو مفترض من انتصاراته، لكن أغلب جنرالات العرب، بلا انتصارات، ويراد للمتلقي اليوم أن يقتنع برؤيتهم أو تحليلهم للوضع في أي دولة عربية.

يمكن وصفهم بالمضللين العسكريين، بدلاً من المحللين العسكريين، وهؤلاء هم ذاتهم الذين خرجوا في توقيت ما وقالوا إن صدام حسين سوف ينتصر في حرب الكويت، وهم ذاتهم الذين حللوا - أو قل - ضللوا الناس أيضاً في حرب جنوب لبنان، وفي حروب غزة، وفي تحليلات المشهد في دول الربيع العربي من ليبيا وصولاً إلى سوريا.

الذي يعود إلى الذاكرة المؤرشفة سيكتشف أن كل ما يقولونه حدث عكسه، أو لم يتطابق كلياً، ولأننا أمة بلا ذاكرة، ونعتمد منذ آلاف السنين على الذاكرة الشفوية باعتبار أن الكلام مهنة العرب، فلا أحد يتذكر بالتحديد ماذا قال هذا الجنرال أو ذاك، وماذا حدث بالمقابل.

في مرات كثيرة يكون من حق ابن المكان أو الميدان أن يحكي الرواية كما هي على الأرض، لا أن يختطف الرواية جنرال أو مضلل عسكري، لم يعرف حرباً في حياته، ولم يخض عراكاً حتى في منامه، لأن الفرق بين الروايتين كبير، من حيث الصدقية وتقدير النتائج، فوق إدخال عنصر الألم عنصراً في التقديرات، وهو عنصر يغيب عند الجالسين بعيداً في الاستوديوهات.

تراه جنرالاً على الشاشة، يحلل ويضلل ويبث التفاؤل في حالات، فتصير مهمته نهاية المطاف إيهام الناس، وتجهيزهم للخاتمة المؤلمة، بحيث يكون الفرق بين الحقن الإيجابي كما هو دوره والمآلات سبباً في ردة كثيرين، بعد أن صدقوا جنرالاً بلا حرب أو انتصار.

باعتباره قادراً على التبشير بنصر كلي أو جزئي، هذا فوق أن كل قصة الجنرال قصة مائتي دولار يأخذها بعد البث مقابل أن يكون منطوقه متطابقاً مع سياسة الشاشة وما تريد.

شرعية الجنرال من انتصاراته السابقة، وليس من رتبته، ودم طفل في غزة، له صدقية أضعاف كل ما يجتره هذا الجنرال أو ذاك!

 

Email