»ناصريون« والله أعلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما حدث عند ضريح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الأسبوع الماضي، أثناء الاحتفال بذكرى ثورة يوليو، يعد مأساة وإهانة لتاريخ ناصر والثورة. ولمن لا يعرف ما حدث، فقد وقع صدام بين أنصار التيار الشعبي الذي يتزعمه حمدين الصباحي، وبعض الموجودين في الضريح، ومنهم المهندس عبدالحكيم نجل الزعيم الراحل، و»قيل« إن أنصار حمدين منعوا السفير الفلسطيني من دخول الضريح، وهتفوا هتافات معادية للجيش المصري ولموقف السيسي من الحرب على غزة. وأنكر قادة التيار الشعبي هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، وأعلن عبدالحكيم عبدالناصر استقالته من التيار الشعبي، متهماً حمدين صباحي بأنه له مواقف واضحة في شق الصف الناصري.

لست بصدد إدانة أو تأييد أي من أطراف الواقعة، فالأمر بالنسبة لي ليس جديداً ولا غريباً منذ أن بدأت نشاطي كفرد في هذا التيار الناصري منذ السبعينات، وقد سافرت إلى الاتحاد السوفييتي عام 1986 على رأس أول مجموعة من الدارسين الناصريين للحصول على الدكتوراه، وسبقتني إلى هناك رسالة من الحزب الاشتراكي العربي الناصري إلى المسؤول عن مصر في اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوفييتي تفيد بأنني ممثل الحزب في الاتحاد السوفييتي، وكان لي شرف اللقاء بهذا المسؤول السوفييتي الكبير، وهو أناتولي أغارتشيف عضو المكتب السياسي للحزب، والمعروف بصداقته القوية والخاصة جداً بجمال عبد الناصر، كما أخبرتني بعد ذلك الدكتورة هدى عبد الناصر.

في اللقاء مع أغارتشيف، الذي يتحدث العربية بطلاقة وبلهجة مصرية، قال لي شيء لا أستطيع أن أنساه، وإن كنت لم أقتنع به كثيراً آنذاك، لكنني أتذكره الآن جيداً مع ما يحدث للناصريين المصريين الآن، لقد قال أغارتشيف: »بعد رحيل عبد الناصر راهن السوفييت على أن التيار الناصري سيكون الأقوى على الساحة العربية كلها، وأن مصر بالطبع هي التي ستقود هذا التيار، لكن للأسف الشديد، ما فعله الناصريون المصريون من خلافات وانقسامات وصراعات بينهم، أحبط المشروع الناصري العربي الذي افتقد قدوته في مصر بلد ناصر«.

أغارتشيف رحل عن الدنيا في العام التالي من لقائنا، لكنني أتذكر ما قاله لي الآن جيداً، وأتحسر كثيراً على ما آل إليه حال الناصريين في مصر، أو من يدّعون أنهم ناصريون، والله أعلم، وأكثر ما يؤلمني هو إقحام الجيل الجديد الذي ولد بعد رحيل ناصر في هذه المهازل، وهو الجيل الذي كنا نتمنى أن يكون أكثر نقاءً وأكثر ناصرية من جيلنا.

 

Email