توظيف الدم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المنطوق الشعري للراحل محمود درويش، يقول: أيوب صاح اليوم ملء السماء، لا تجعلوني عبرة مرتين.

والترميز عن »الفلسطيني« وهذا البلاء الذي يحيق به، وهو فعلاً بات عبرة مرتين، الأولى عبر احتلال بلاده، وتشريده، وقتله، كلما انتج جيلاً جديداً، فتأتي آلات الحصاد لتقطف الرؤوس الجديدة، تحت عناوين مختلفة، وكأنه موسم للحصاد.

الثانية التي تجعله عبره مرتين فعلياً، توظيفات الدم التي نراها، في الإقليم، والناس اذ يتم هدم بيوتهم وقتلهم وترويعهم، إلا أننا نرى مقابل كل ذلك، من يريد توظيف الدم، لغايات خاصة به، وهي تجارة لا يعرف أحد من يتحكم بأسرارها.

من أولئك الذين يريدون إحياء محور »الممانعة« مروراً بالذين يريدون تأديب كل الحركات المتشددة، وصولاً إلى من يريد إرباك القاهرة، في عهدها الجديد بتفجير لغم غزة في وجهها، وصولاً إلى بقية الحسابات المعروفة، ولكل طرف حساباته.

هذا يعني أن الناس هنا، على ما فيهم من بساطة وشهادة، يخضعون لحسابات إقليمية، ويتم توظيف دمهم في مكاسرات إقليمية في المنطقة، والشهيد أو الشهيدة، لا يعرفان أن القصة تجاوزت كثيراً تعريفات الشهادة بمعناها الفردي، وأثرها الجمعي، نحو تعريف جديد، يريد الاستثمار في المشهد والدم والقتل وكل هذا الخراب.

في السياسة يتم توظيف كل شيء، غير أن الدم بحد ذاته مقدس، على ما هو مفترض، وتوظيف الدم في مشهد غزة، لا يلغي العدوان، ولا يخفف من الجريمة، ولا يخفض التأثر بفجيعة الأطفال والنساء والرجال في غزة، لكنه يفتح باب التساؤلات حول حق كل الأطراف في توظيف ورقة غزة هذه الأيام، لاعتبارات تتجاوز الشأن الفلسطيني.

علينا أن نلاحظ هنا أن هذه الحرب جاءت في توقيت ما بعد الربيع العربي، وفي ظل تطاحن إقليمي ومذهبي، ومن هنا لا يمكن قراءة المشهد بذات أبجديات قراءة الحروب السابقة على غزة، فهي حرب إقليمية في غزة، بأسرارها، ونتائجها.

الأطراف التي تريد توظيف مشهد غزة لحساباتها كثيرة، من المحور الإيراني الممتد، مروراً بالمحور التركي وجماعاته، وصولاً إلى بقية المعسكرات، والفاتورة تتنزل هنا، على عامة الناس، فيصير دمهم، مجرد رصيد يتم التنازع عليه، لتسييله في حسابات اطراف كثيرة. والمشهد يستحق تحليلاً أعمق لقراءة سر توظيفات الدم، ولعب كل أطراف الإقليم على جسد غزة المبتلى.

Email