أفلحت أميركا إن صدقت

ت + ت - الحجم الطبيعي

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركية أثناء زيارته لمصر الأسبوع الماضي، يبدو لمن يستمع إليها وكأن واشنطن نادمة على السياسة التي اتخذتها تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو العام الماضي، التي أزاحت حكم جماعة الإخوان المدعومة علناً من واشنطن، أو أن الأميركيين تداركوا أن مصر قد وضعت أقدامها على الطريق الصحيح وأنها بدأت مسيرتها نحو البناء والتنمية، فأصابهم الخوف والقلق من أن لا يكون لهم في مصر المستقبل نفس المكانة التي كانت لهم من قبل. ربما يكون الأميركيون أيضا قد تداركوا خطأهم الفادح في دعم جماعة إرهابية فاشلة، استولت على الحكم في مصر بأساليب خبيثة مغلفة بشكل ديمقراطي مشكوك فيه، لكنها، وخلال عام واحد من الحكم، أثبتت فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد.

كل هذه الأمور واردة ومحتملة، وإن كانت مشكوكاً فيها، لكن المؤكد أن الأميركيين لم يدعموا جماعة الإخوان لأنها جاءت بشكل ديمقراطي للحكم، أو لأن ما حدث في 30 يونيو كان انقلاباً على حد زعمهم، لقد دعموهم، وما زالوا، لأن الإخوان جزء لا يتجزأ من المخطط العالمي للإرهاب الذي يهدف إلى إضعاف الدول وتفتيتها وتحويلها إلى بؤر للفوضى الخلاقة، التي يريدون من ورائها أن يتشكل عالم جديد يتحكمون فيه ويوجهونه لتحقيق مصالحهم الفئوية الخاصة، أي مصالح جهات معينة يمينية محافظة داخل الولايات المتحدة.

ولا سلطة للإدارة الأميركية ولا لأية جهة فيدرالية في الولايات المتحدة عليها، هذه الجهات التي تحرك وتوجه كافة التشكيلات السياسية التي تحمل مسميات دينية، وبالتالي فإن زيارة كيري وتصريحاته ليست سوى مجرد كلام في فراغ لا طائل من ورائه، والوعود باستمرار المعونات وتوريد السلاح ليست سوى خوف شديد من واشنطن من استغناء مصر عن هذه المساعدات والمعونات، واتجاهها إلى استقلالية الإرادة والقرار.

لقد ثبت خلال الأعوام القليلة الماضية أن القرار الأميركي لا يخرج من البيت الأبيض في واشنطن، بل من جهات أخرى، وهذه الجهات لها استراتيجياتها ومصالحها البعيدة عن الولايات المتحدة كدولة، وجماعة الإخوان والجماعات الإرهابية الأخرى لا تحركها ولا توجهها الإدارة الأميركية، بل تحركها الجهات الخاصة صاحبة القرار، والبيت الأبيض لا يستطيع مخالفة قرارات هذه الجهات، ولا يملك سوى لغة الدبلوماسية والتصريحات التي لا تغير من الواقع على الأرض شيئاً يذكر، وهذه، للأسف، هي الازدواجية المعقدة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع العالم كله.

 

Email