ثنائيات قاتلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل دولة عربية، أطلت فيها آفة الثنائيات، كان مصيرها الانشطار، وإطلالة الثنائيات هنا، توطئة لتشظية أي بلد عربي، والثنائيات أخطر من الحروب الخارجية. ثنائية الدين، الإسلام والمسيحية، ثنائية المذاهب الدينية، ثنائية الاتجاهات السياسية المتضادة يسار ويمين، ثنائية التحزب، ثنائية الجهوية أي المنطقة شمال وجنوب، شرق وغرب، ثنائية ذات الاتجاه السياسي إسلامي متشدد وإسلامي معتدل.

ثنائية الطبقية أي الفقير والغني، ثنائية المدني والعسكري، ثنائية الهوية أي صدام المكونات الاجتماعية على أساس الأصل والمنبت، ثنائية العرق، عربي وكردي مثلاً، والثنائيات منثورة في العالم العربي تحت كل رماد، ووراء كل بوابة، وتحت كل لسان. المستقبل اليوم هو للدول التي لا تسمح بتوليد الثنائيات، فهي تتولد ببطء شديد، وتتأسس على الشعور بالمظلومية أحياناً.

لن تنجو اليوم إلا الدول التي تطبق العدالة على مواطنيها، فتعاملهم عبر معيار واحد، أساسه المواطنة وحقوقه، فلا يبيت في تلك الدولة مكون يرى ذاته مظلوماً، ويبقى منتظراً لساعة إطلالة مظلوميته، فيما هي إطلالة صراع سياسي دموي في مآلاته. لدينا نماذج مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا ودول أخرى كثيرة كلها تشظت على أساس الثنائيات.

والدول العربية الذكية التي فهمت السر مبكراً، ذهبت وقالت إنها لا تريد لا مشروعاً حزبياً ولا مشروعاً شمولياً، ولا اخترعت عدواً لتحاربه، ولتستنزف إمكاناتها وداخلها وشعبها في مراهقات. وذهبت وقالت إن الإنسان هو الأهم بدلاً من هذه الانتحارات القومية، فأسست نموذجاً محترماً لدول الرفاه، ولصناعة الإنسان وتعليمه وتأهيله. كل دولة تقامر بشعبها، وتصنفه إلى مكونات ودرجات وتستثمر في التناقضات بين المكونات، تؤسس لثنائيات قاتلة، ستقود ذاتها، إلى مواجهة داخلية خطيرة جداً.

بعد المواجهة، فإن القدرة على ترميم الداخل المتشظي ستكون معدومة، ولدينا أنموذج العراق، الذي لم يفلح حتى اليوم في رد الروح الجامعة إلى العراقيين. في سوريا القصة أسوأ، فالذبح على المذهب والاتجاه والهوية، وإرث هذه الثنائيات، لم يطل برأسه بعد، إذ أن سقوط نظام الأسد، لا يعني غياب الثنائيات، إذ تم زرع بذارها بين كل السوريين، ولا حل لهم اليوم، بعد الأسد، إلا حروب انتقامية ثأرية على خلفية الثنائيات.

لن يبقى على الخارطة إلا الدول العاقلة، التي تضرب بالعدالة والقانون والرفاه معاً كل إطلالة محتملة لأي ثنائية، خصوصاً أن توظيف الثنائيات يتسلل دومً بشكل ناعم مثل أي أفعى إلى أي بلد عربي، ثم ينتفض مارداً يحرق الأخضر واليابس.

 

Email