المواطنة السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإقدامه المتهور على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي ضربت عرض الحائط بكافة الجهود السياسية المبذولة حتى الآن للخروج بالحالة السورية من عنق الزجاجة الدامي، خطا النظام السوري خطوة مدمرة إضافية نحو إنجاز مشروعه الانعزالي المنخرط عضوياً في مشروع إقليمي وعالمي أوسع، يتناقض كلياً مع المعطيات الجيوسياسية على مستوى ما بات يعرف بعملية التحريك الديمغرافي في المنطقة، لصالح مشاريع سياسية كان المشروع الصهيوني رائداً فيها ويتقدمها جميعا، وتتعلق بإعطاء غير السوريين حق الإدلاء بأصواتهم في انتخابات سيادية سورية، وتحديداً الفلسطينيين السوريين منهم.

أسفرت النكبة والنكسة عامي 48 و67 اللتان نذرف الدموع في ذكراهما هذه الأيام، عن أكبر عمليتي ترحيل سكانية جماعية، الأولى من فلسطين والثانية مما تبقى من فلسطين ومن المناطق الحدودية في دول الطوق المحيطة بها.

وإذاً، فإن سياسة الأمر الواقع المفروضة بقوة الحديد والنار تعدّ مشهداً اعتيادياً في المنطقة، وفتح صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية السورية للفلسطينيين في سوريا، وتحديداً في ثكنات جيش التحرير الفلسطيني على الأرض السورية.

وإجبار كافة جنوده وضباطه على انتخاب بشار الأسد، يشي ببدء عهد توطين فلسطينيي سوريا بعد تهجير القسم غير المرغوب فيه منهم، وهو الأكبر طبعاً، في ظل ما يشاع عن توطين وتمليك أفراد من جنسيات أخرى موالين للنظام ويقاتلون في صفوفه ضد ثورة الشعب السوري اليتيمة.

وبذلك يكون النظام في دمشق قد دخل منطقة خطرة جديدة، ومارس عملية إحلال بغطاء دستوري، ترقى إلى مستوى نهج التشبيح الذي يمارسه في الميدانين الأمني والعسكري، وتشكل امتداداً طبيعياً له حين يستبدل قواعد حق المواطنة الطبيعية المعروفة، ويضع مكانها قواعد جديدة تتعلق بالانتماء السياسي والفكري والعقائدي، وكأن لسان حاله يقول إن شرط المواطنة السورية يكمن أولاً وأخيراً في الولاء للنظام.

وليذهب إلى الجحيم كل من يقف في الصف الآخر، الذي يشكل في هذه الحالة نصف الشعب السوري على أقل تقدير، علماً بأن نصفه الأول والذي تدعي أبواق النظام أنه قدم صوته للنظام، كان قد شارك في جميع الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية منذ عام 1970، مدفوعا بالأسباب عينها والتي تندرج جميعها تحت عنوان الخوف.. والخوف وحده.

 خطوة متهورة تجبّ حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم المحتل، ذلك الحق الذي لطالما تشدق النظام بالحفاظ عليه والدفاع عنه، واضعاً مجموع فلسطينيي سوريا في خانة الإقامة المؤقتة، انتظاراً ليوم عودة منشود في يقظتهم قبل أحلامهم.

 

Email