فلسطين المغيبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تغيب فلسطين عن أي قراءة سياسية لمجريات الأحداث في المنطقة، تنعدم معها، بالضرورة، أي إمكانية للوصول إلى رؤى حقيقية حول كل ما يحيط بها من أحداث وقضايا، وتغلق الأبواب أمام أي رؤية موضوعية للأبعاد الحقيقية التي أدت إلى ولادة وتفاقم أي منها، وجعلتها تمكث طويلاً في مستنقع يبدو راكداً ومستعصياً على أي حل.

لكن عندما تسقط فلسطين من الخطاب الرسمي لقوة عالمية عظمى مثل الولايات المتحدة، ومن خطاب سنوي منتظر لرئيسها في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، تنهض علامات الاستفهام وتكثر التحليلات التي تفضي على تعددها إلى نتيجة واحدة لا مفر منها.

فيتحول الغياب إلى حالة واضحة من التغييب المتعمد، في محاولة لتكريس أو شرعنة الحصاد الإسرائيلي الذي بات يأتي أكله من خلال عملية سرقة تاريخية جديدة، باتت تشكل ضرورة في متوالية السطو على فلسطين وأرضها وتهجير شعبها.

السرقة الجديدة، والتي حاول باراك أوباما تكريس نتائجها، في خطابه الأخير، واقعاً ماثلاً في المشهد السياسي العربي، لا تتجسد في القفز على الأولويات وحضور كل مشكلات المنطقة وقضاياها في ذلك الخطاب العتيد، باستثناء القضية الفلسطينية فحسب.

بل إنها تتعدى ذلك وصولاً إلى مسألة ترتيب تلك الأولويات وضبطها كالعادة على إيقاع المصالح الأميركية في العالم، بحيث تصبح معادلة فوبيا ما يسمى بالإرهاب الرقم واحد في سلم الأولويات ذاك، بينما تتراجع الأولويات الحقيقية لشعوب المنطقة على غرار أولويتي التحرر من الاحتلال والاستبداد.

ولأن موقف أميركا منحاز تاريخياً ومبدئياً لربيبتها العبرية، لم يجد الرئيس الأميركي غضاضة في تغييب ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والفشل المدوي الذي حاق بها، ولو من باب الإعراب عن الامتنان لجهود وزير خارجيته جون كيري «الجبارة»، في مسعى حثيث لحلحلة عقده الشائكة.

ومن الواضح أن خياره في هذا الاتجاه، يصب أولاً وأخيراً في تفضيل عدم ذكر القضية برمتها، على الاضطرار إلى اللف والدوران في تحميل أحد طرفي المعادلة مسؤولية ذلك الفشل، والذي يعرف جيداً أنه رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتانياهو، وقطيع الأحزاب والشخصيات الإسرائيلية المتشدد الذي يحوم حوله.

عندما تغيب فلسطين عن القراءات السياسية، تحضر إلى الذهن والواقع قراءات أخرى ذات طابع أمني وعسكري وإداري، وفي القلب منها القراءة الأميركية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني، القائمة على السعي إلى إدارة هذا الملف لأطول فترة ممكنة، وليس حله.

Email