التعطيل السياسي شرق المتوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

محطة أخرى متجددة وليست جديدة تتبدى على سكة ظاهرة التعطيل السياسي وضرب آليات العمل الديمقراطي على علاتها والتداول الطبيعي للسلطة المتواري عن الأنظار في واحة العبث بمصائر شعوب شرق المتوسط وتطل من طرف خيط يمتد من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق وينتهي في طهران أو يبدأ منها ويعود إليها في دورة أصبحت تشكل مع تكرارها ظاهرة شبه عضوية لا يمكن القفز عنها بأي حال من الأحوال عندما يتعلق الأمر بمحاولة تقديم قراءة موضوعية للمشهد التراجيدي الذي تعيشه شعوب هذه البلدان الثلاث على أقل تقدير إن لم نقل أن ذلك الخيط الأسود يلقي بظلاله القاتمة على بلدان أخرى أيضاً في محاولة بائسة لترسيخ موطئ قدم في المنطقة للممسكين بالطرف البعيد والثخين من الخيط.

لكن إذا كان تداول السلطة الحقيقي مفقوداً في هذه الحالة، إلا أنه لا يلغي وجود نوع آخر حقيقي من تداول الأدوار بين الأطراف الممسكة بذلك الخيط الذي يشتد عوده في كل مرة تغيب فيها البدائل والاستراتيجيات على الطرف الآخر من المشهد إلى درجة توحي بأن التاريخ يعيد نفسه بالقول والفعل، فبعد عقود من زمن تحكم النظام السوري بمصير لبنان السياسي وقدرته على وضع قائمة أسماء الرئاسات الثلاثة فيه، رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب، يبدو أن الطرف اللبناني الممسك بالخيط الأسود قد حصل هذه المرة على فرصة التحكم في تحديد مستقبل سوريا السياسي وتسمية من يحكمها بعدما أمن لنفسه وضعية مريحة في بلده لبنان وباتت يده ممدودة إلى رئاساته الثلاث وأولها رئاسة الجمهورية المهددة في هذه الآونة بالفراغ إثر امتناع نواب حزب الله وحلفائهم عن تأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس ميشيل سليمان.

في حقيقة الأمر، لم يعد ممكناً أخذ هذا المسلك السياسي على محمل الحالات الفردية التي يمكن أن تحدث هنا أو لا تحدث هناك، بل يجب أخذه على محمل العمل الممنهج والمتماسك والقادر على فرض إرادة القائمين عليه، ما يفترض ويفرض قراءة موضوعية مغايرة تماماً تسمح برؤية المشهد بأكبر قدر من العناصر المشكلة له علماً بأنه ثمة نوع من اليقين يتراءى في أفقه يشي بأن استبعاد هذا النوع من القراءة في أوساط أقطاب النظام السياسي الرسمي العربي لا تفرضه ضبابية المشهد نفسه بقدر ما يتعلق الأمر بمحاولة تفادي تبعاته عن طريق إغفاله بصورة متعمدة في محاولة عرجاء لتأجيل لحظة الانفجار الكبير.

صحيح أن تلك اللحظة لم تظهر بكل تجلياتها بعد بحكم عوامل إقليمية ودولية عنوانها تل أبيب وواشنطن وموسكو، إلا أن أذرعها الأخطبوطية باتت لا تخفى على أحد وتتطلب فعلاً حقيقياً على الأرض ورؤية استراتيجية تحفظ للمكون العربي في المنطقة والعالم مصالحه وتطلعاته.

Email