وفاة ماركيز ولادة أسطورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عباد الشمس أصفر وصفراء هي الورود المحببة إلى قلب غابو وشمس أميركا لم يرها إلا صفراء مشعة حد حجب إمكانية معرفة وجهة الأقراص الزهرية الصفراء أو اتجاهها، واصفر ضوء الشموع التي ذابت وذوبت معها قلوب أهل أراكاتاكا مسقط رأسه ومعادل ماكوندو المتخيلة في "مئة عام من العزلة" التي.

لا تزال أشعة شمسها الصفراء تنير دروب وأزقة بلدة كولومبية نائية عاش فيها طفل صغير سبع سنين وما لبث أن تحول إلى كاتب عظيم، ولا تزال روح من أبدعها تتبع خطوات ساكنيها وتحرسها من الوقوع من جديد في عزلة راحت تتلاشى على وقع انتشار سحر كلام ما لبث أن تحول إلى أسطورة.

الأسطورة لم تعد تقبع بين دفتي كتاب، انفلتت من عقالها وشقت طريقها إلى واقع الحياة مشكلة معه وحدة متناغمة في اللحظة التي انتشر فيها نبأ وفاة غابرييل غارسيا ماركيز في يوم خميس مقدس تماماً مثلما فعلت اورسولا إيغواران، تلك الشخصية التي أبدعها في رائعته الخالدة، فلقد انبلج الفجر على اورسولا ميتة عن عمر 115 عاماً، والحائز على جائزة نوبل للآداب توفي حوالي الساعة الثانية فجراً عن عمر 87 عاماً في منزله الواقع جنوبي مدينة مكسيكو.

الأسطورة باقية وستظل أنفاسها نابضة بالحياة في كل كلمة كتبها غابو وفي نفس كل من قرأه أو سيقرأ عن تلك القارة الطوباوية التي تترقب التحديات دائماً والتي لم تعد.

كما كانت قبل أن تدير ورود غابو الصفراء وجهها إلى وجوه أحبت شمس غابو بعد أن أحرقتها سياط المستبدين والمستعمرين طوال قرون من الزمن، وجوه لأناس عاديين وشخصيات لها وزنها وكتاب ارتشفوا الحلم من كتابات غابو بما فيهم إيزابيل الليندي التي قالت: معلمي مات وكي لا أبكيه سأواصل قراءته مراراً وتكراراً.

الأسطورة تولد من واقع أن الغالبية العظمى من الناس الذين أحزنتهم وفاته لم يسبق لهم أن التقوه أو تحدثوا إليه، ولم يصافحوه يداً بيد قط؛ ولكن السحر يعيش في كتبه، وخياله النابض حياة في كل شخصية من شخصياته وفي رؤيته للعالم ولأميركا اللاتينية الحاضرة دوماً في كل الأماكن والقصص التي أبدعها.

لذلك يرثي العالم وفاته، ولأنه سيظل تواقاً لرؤية رواية جديدة له قد تظهر في أية لحظة، بينما سيبقى على يقين بأنه في مكان جنوبي مكسيكو سيتي عاش إنسان عظم الأدب الأميركي اللاتيني وجعل قراءة يعيشون في ماكوندو المتخيلة بكل جوارحهم.

الأسطورة تعيش في وضوح وبساطة الحقيقة التي قذفها غابو في وجه العالم بحب واحترام لم يغفلا قط وجود فراشات بألوان أخرى يحبها أناس آخرون، مثلما تعيش في لحظة الحزن التي خيمت أثر انتشار نبأ وفاته مشفوعة بفرحة المنجز الماركيزي وفرصة معايشة قامة أدبية عز نظيرها وإرث أدبي هو عزاؤنا.

 

Email