التعطيل السياسي على المفترق السوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

المفاضلة بين حالة العجز عن إدارة مخرجات الصراع المنتظرة في سوريا بعد أن تحول من صراع سياسي على السلطة إلى فوضى سياسية عارمة تحكمها قوة الحديد والنار من جهة، وبين السعي لإيجاد حل بات بعيداً لهذا الصراع بعد أن تكسرت جميع مشاريع التفاوض من جهة أخرى، ربما تدفع باتجاه تحوله إلى صراع منسي لا يحظى بالاهتمام الكافي، ولا يشجع على الاستمرار في البحث عن مخارج حقيقية له.

بالطبع، فإن هذا الخيار ليس خيار النظام السوري ولا خيار المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، لكنه أصبح الخيار الأمثل بالنسبة لكلا الطرفين بعد أن انجلت الصورة وتبين أن الكفة الراجحة في سوريا تغص بحروب بالوكالة تخوضها قوى إقليمية ودولية هواجسها بعيدة كل البعد عن هموم وطموحات الشعب السوري وثورته التي انطلقت من أجل مطالب مشروعة بسيطة لا تتعدى الجغرافيا والديموغرافيا السوريتين، وتتعلق بالحرية والعدالة والكرامة.

في هذا السياق، تمكن النظام السوري ومن لف لفيفه من فرض حالة من التعطيل شبه العضوي للعملية السياسية الداخلية من خلال استغلال مجموعة من العناصر أبرزها تعزيز فزاعة المخاوف من وصول قوى سياسية غير مرغوب بها من قبل البعض إلى سدة الحكم من جانب، وإغراء رافعي شعار محاربة ما يسمى بالإرهاب بالإمكانيات "الهائلة" التي يتمتع بها النظام في هذا الميدان، فضلاً عن التلويح للدولة العبرية بإمكانية خسارة الهدوء المزمن على جبهة الجولان المحتل، وكذلك بإمكانية توسع الرغبة في التغيير السياسي إلى خارج الحدود السورية وانتقال العدوى إلى دول عربية وغير عربية أخرى.

على هذا النحو تلتقي رغبة القوى الإقليمية والدولية في التعطيل ليس مع النظام السوري فحسب وإنما مع باقي الأنظمة التي تخشى من انخراط مجتمعاتها في عرس التغيير الذي طال انتظاره في وجدان شعوب ذاقت الويلات على يد أنظمة استبدادية مماثلة للنظام السوري، في مشهد برعت فيه هذه النوعية من الأنظمة بتحويل ضرورات التغيير والتطور الاجتماعي إلى صراعات سياسية كبرى أو فوضى سياسية كبرى وحتى عسكرية تمهيداً لسحب البساط من تحت أقدام الجماهير المطالبة بالحرية والعدالة وإيجاد ذرائع وشرعيات زائفة جديدة لاستمرارها في الحكم بغض النظر عما يمكن أن يدفع من أثمان باهظة قد ترقى إلى مستوى التضحية بمصائر شعوب بأكملها.

وبالتالي، فإن تغلب آليات التعطيل على التشغيل في النظم السياسية وإطلاق العنان لفزاعات جانبية، باتت تضرب عميقاً في صيرورة تطور المجتمعات وتستخدم لضرب الحراك الديمقراطي، يشي ببروز ظاهرة سياسية جديدة لا يمكن القفز عنها عندما يتعلق الأمر بمحاولة قراءة مجريات الأحداث في ربيع عربي توارى عن الأنظار تحت وقع موجة من الهجمات القاسية التي تمكن القائمون عليها من تحقيق بعض المكاسب ولو إلى حين.

Email