العامل النفسي فلسطينيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حالة العدوان، الحصون والحدود والمتاريس والجبهات، تتكفل الجيوش والقوات العسكرية باجتيازها واقتحامها وتغيير ملامحها، بينما تقف كل هذه الإمكانيات عاجزة عن اجتياز الحاجز النفسي لدى الخصم، ما يدفع لظهور آليات رديفة وموازية تعمل جنباً إلى جنب مع الآلة الحربية، أخطرها ما ينشأ في كنف الطرف المهزوم، متجسداً في أصوات تتعالى نبرتها المتخاذلة كلما استعصت النفوس على القبول بمخرجات العدوان.

في حالة العدوان الصهيوني المديد على الشعب الفلسطيني، تمكنت آلة الحرب الصهيونية معززة بذرائع لاهوتية مزيفة وتحالف دولي قل نظيره، من تغيير ملامح جغرافية فلسطين وإعطائها اسماً آخر يعاند التاريخ ويسطو عليه، لكنها وقفت عاجزة عن إحداث اختراق على المستوى النفسي في المجتمع الفلسطيني والعربي، وتطويعه لصالح مقولات طارئة على المكان والزمان، يراد فرضها على المنطقة لأطول فترة ممكنة، وليس إلى الأبد كما يعتقد، إدراكاً للطبيعة الوجودية للصراع الصهيوني العربي، التي لا تسمح بتعايش كيان مصطنع مع شعب أصيل، إلا بمقدار ما يستطيع منطق القوة مد نفسه بمقومات البقاء عنوة.

وبعد أن رضخ العالم لمخرجات العدوان في الحالة الفلسطينية، رغم افتضاح زيف مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» التي قام عليها المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، لم تكتف مراكز صنع القرار في الدولة العبرية بهذا المنجز التاريخي الهائل، بل إن مراكز الأبحاث والدراسات فيها حرصت دائماً على تكرار النصح للقيادات الإسرائيلية بانتهاز أي فرصة لطرح قضية اللاجئين الفلسطينيين، حتى لو لم يبادر العرب أو الفلسطينيون إلى طرحها.

وإذا كان معلوماً لدى الجانب الفلسطيني، وبشكل مطلق، مآل حال هذه الفئة التي تشكل غالبية الشعب الفلسطيني، في أي تسوية محتملة مع دولة الاحتلال، فمن الطبيعي أن تتداعى الأسئلة المشفوعة بعلامات الاستنكار، حول الدور الذي تلعبه قيادات فلسطينية وعربية في الترويج لمقولة عدم واقعية أن يتمتع اللاجئون بحق عودتهم إلى ديارهم، وأن يعيشوا على أرضهم بسلام أسوة بكل شعوب الأرض. ومن الطبيعي أيضاً أن يدور جانب من تلك التساؤلات حول مسوغات تكرار تلك الأطروحات أحادية الجانب، التي لا ترى في القضة إلا جانب العودة عن حق العودة، لاستحالة تطبيقه كما يروج البعض..

لكن أيهما أكثر استحالة؛ عودة عائلات اقتلعت من ديارها إلى وطنها، أم اقتلاع شعب من أرضه وإحلال شراذم من هنا وهناك محله؟! بعد أن حدث الاختراق السياسي الكبير، وتتالت التنازلات على المستويات كافة، بقي المستوى النفسي هو المستهدف الوحيد المراد هدمه، والعائق المتبقي، الوحيد ربما، أمام طي صفحة القضية الفلسطينية برمتها، وفق اعتقاد المتخاذلين. لكن هؤلاء ومن يمثلون، يدركون قبل غيرهم أن الحقائق التاريخية عصية على منطق القوة، مهما طال أمده.

Email