وهم انهيار الأخلاقية السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحديث عن بداية انهيار الرواية الأخلاقية الصهيونية، القائمة على الأسطورة ومفهوم الضحية، إثر موجة المقاطعة الدولية للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، ينم عن عجز في قراءة التاريخ، ويشي بمحاولة للتستر على عجز النظام الرسمي العربي عن توفير سبل التصدي لهذا العدوان الديمغرافي - الجغرافي السافر.

في حالات العدوان تفقد المترادفات معانيها، فكلمة عدوان سيدة نفسها وتجب ما يلحق بها من سمات أو توصيفات مهما علا شأن بلاغتها، فتاريخ البشرية واضح ويشي بأنه ما من عدوان شهده الإنسان على مر التاريخ، إلا وكان مصحوباً برواية تزينها أطروحة أخلاقية ما، مشبعة بمثل وقيم إنسانية يتوهم واضعوها أنها ستسمو على المعنى وتلبسه قناع حكمة يمكن أن يحجب حقيقة وجود معتدٍ ومعتدى عليه. في ظل هذه الأطروحة المتكررة في جهات الدنيا الأربع، كان من الطبيعي أن يدخل العالم في جدلية أسبقية أحد طرفي المعادلة على الآخر؛ الأخلاق أم العدوان، بينما كانت الرواية الأخلاقية، في كل الأحوال، تذهب أدراج الرياح مع ذهاب العدوان واضمحلال مسوغه الأخلاقي الرديف.

الاستثناءات تكاد تكون معدومة في ثنائية الأخلاق والسياسة، فقد ولت بلا رجعة تلك الروايات الأخلاقية المرادفة لكافة حالات العدوان، سواء كانت موجهة إلى الداخل أم الخارج، حيث غلفت المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي المنهار، سياساتها الداخلية والخارجية العابرة للحدود، بشعار الأممية البروليتارية طوال سبعة عقود ونيف، وبلغت حالة تشظي هذا الشعار أقاصي الأرض، مثلما تلفحت القوى النازية والفاشية بدثار القومية والعرق الأسمى، وقبلها اكتسح الأوروبيون ما سموه العالم الجديد تحت راية الصليب، بينما تتدثر، في يومنا هذا، قوى وأنظمة لاهوتية عدة بعباءة الأديان، مثلما صنعت الحركة الصهيونية رواية الضحية اليهودية ونجحت في ترويجها على نطاق واسع.

كل ذلك يأتي في سياق بناء رواية أخلاقية رديفة، من شأنها توفير غطاء أخلاقي لحالات العدوان عبر التاريخ. لكن رغم قدرة هذا المنهج اللاأخلاقي على إطالة عمره من خلال ابتكار آليات جديدة خلاقة، إلا أن عجلة التاريخ لا ترحم، كاشفة تباعاً حقائق تفند تلك الروايات وتحيلها إلى مزبلة التاريخ، ليس لأنها غير أخلاقية فحسب، وإنما لأن حاملها السياسي عادة ما ينهار قبلها، بحيث يمكن القول إنه ضرب من الوهم تخيل العكس.

لكن هذا لا يعني عدم استثمار موجة المقاطعة الغربية للمستوطنات الصهيونية، في اتجاه إسقاط الرواية الأخلاقية الصهيونية، ما يتطلب وضع خطة فلسطينية عربية لهذا الاستثمار في مناخ المقاطعة التي تكتسب المزيد من الزخم على الساحة الدولية.

من باب التفاؤل شديد الحذر، فإن بارقة أمل تلوح في الأفق الفلسطيني المعتم.. بارقة تحاكي توق الشعب المنكوب إلى رؤية تغيير في حالة الاحتضان الدافئة التي مارسها الغرب حيال المشروع الصهيوني طوال عقود.

Email