قبل ثلاثمئة عام قبل الميلاد، كان مجتمع السلطة في أثينا يعتمد طريقة تعامل معينة مع من يرفض الاعتراف لهم بحقيقة مخفية أو تقديم الوشاية، وذلك بأن يتم تقييده بالأصفاد والأغلال وإغلاقها بإحكام، ومن ثم إجباره على بلع المفتاح.
لا يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل يغلف رأسه ويترك هكذا حتى يختنق.. قد ينزعون عن رأسه الغطاء عند النفس الأخير، لإعطائه فرصة أخيرة يستدرك بها حياته، ما عدا ذلك يدعونه يموت وهو يدرك أن المفتاح إلى حريته يكمن طوال الوقت في داخله.
أي أنهم لم يكتفوا بالموت واعظاً، بل أضافوا إليه التعذيب النفسي والرمزي، وكأن لسان حالهم يقول، فلتحتفظ بالمفتاح طالما نحتفظ نحن بحياتك..
تسمى طريقة الإعدام هذه بـ "السقراطية"، ربما نسبة إلى الفيلسوف سقراط الذي أعدم مجبراً على تجرع سم "الشوكران"، عقاباً وجزاء على ما كان يقدمه للعقول من فكر ومعرفة و"حقيقة"..
قتل سقراط وهو يدافع عن نفسه بأنه لم يفعل شيئاً، سوى أنه يسأل الناس في الطرقات والشوارع ويناقشهم ويحاورهم الحجة بالحجة، ويبث في عقولهم الحقيقة والحرية.
كان لسقراط أن يهرب برشوة الحراس، ولكنه فضل البقاء في السجن والامتثال لعقوبة الموت، طالما أنه يعلم أن الحقيقة في داخله، فيذكر لنا التاريخ قوله في محاكمته الشهيرة: "لن أرفض فلسفتي إلى أن ألفظ النفس الأخير".
ما علينا.. السؤال الأهم هنا: كم منّا يقتل نفسه على الطريقة السقراطية..؟!
كم منّا يخفي في داخله إما سراً يبقيه مريضاً، أو اعترافاً قد يجعل لحياته قيمة، أو حتى قراراً من شأنه أن يقلب حياته أو حياة الآخرين رأساً على عقب، ويخلق منه إنساناً مختلفاً وسعيداً!.
كم مناّ يموت وفي داخله رغبات بسيطة ومؤثرة، محبوسة بدافع الخجل من المجتمع أو حتـى من نفسه! كم منّا يدفن الكثير من الأشياء المهمة خشية مواجهة ردود الأفعال من حوله، وخوفاً من مصير اعترافه.
هل لك أن تعطي لنفسك فرصة أخيرة وتنزع عنها الغطاء، قبل أن يتداركك الوقت ويفوت الأوان..؟!
إن مفتاح حريتك وسعادتك يكمن في داخلك طوال الوقت… والحياة رحلة قصيرة.