ألغام الاختلافات

ت + ت - الحجم الطبيعي

طوائف.. عرقيات.. نعرات إقليمية وعشائرية.. مصالح طبقية وفئوية.. أفكار متنازعة بين أصيل ودخيل.. انتماءات إيديولوجية تتوزع راياتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كلها ألغام منزوعة الصواعق، أريد لها أن تظل مدفونة تحت تراب دويلات لم ترق في نظمها إلا أن تأسست على تغذية الفرقة بين هذا الخليط، الذي تنذر فوضاه النائمة بكوارث غير محسوبة إذا ما استيقظت.

إعادة الصواعق إلى تلك الألغام ظهرت وكأنها واحدة من نتائج أحداث السنوات الأخيرة، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي التي أفرزت إلى الآن نتائج كارثية، من دون أن تمنح حتى بصيص أمل لتحقيق المطلب الأساس الذي جعل غيابه الثورة أمرا حتمي الحدوث عاجلا أم آجلا، وهو الحرية.

وإذا كان الرأي القائل بأن الأنظمة الديكتاتورية والقوى الدولية والإقليمية المتلاعبة بالمنطقة، تحكم قبضتها على تلك الصواعق وتستطيع إشعال فتيل فوضى ذلك الخليط متى شاءت، رأي لا يبتعد عن بعض الصواب، إلا أنه وحده رأي ناقص، إلا إذا اعتقدنا في أنفسنا أننا مجرد أدوات تنقاد خلف أي موجة يريد الآخرون إثارتها لنركبها.

الفوضى التي نتجت في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، حتى وإن خطط لها لاعبون إقليميون ودوليون، إلا أن الشعوب العربية ارتكبت جريمتها بأيديها، في حالة تستدعي أن تكون إعادة تشخيص تكويننا النفسي واجب عين على كل فرد، وكذلك إعادة درس الهدف الذي خرجت من أجله الثورات.

فأول التشخيص يظهر تناقضا يثير السخرية، بين الثورة المطالبة بالحرية، وبين رفض قبول الآخر، وقمعه وإقصائه، بل واستباحة دمه.. ويبدو أن سنوات من الديكتاتورية التي مورست، أسست لخوف من الآخر وعقل لا يعترف سوى بالقمع منهجاً للتعامل، وهو أمر أصبح جلياً من المواقف المتيبسة مع أو ضد، من دون القبول حتى بأي طرح ثالث يخرج من مأزق التشدد المسبق.

ما تفرزه الأحداث الآن ليس حرية، وإنما حالة انقسام حقيقية تنذر بتشظٍ واسع لا يعطي أي أمل بعودة مكونات المجتمعات العربية إلى الالتئام على المدى البعيد.

وإذا كان بعض القوى الإقليمية، تظن أن تغذية حالة الانقسام هذه سياسة مرحلية لتصوير ثورات الربيع العربي على أنها جاءت بالضرر أكثر من النفع والقضاء عليها، فإنه ظن غير محسوب وسياسة من يخمد ناراً ليشعل ناراً أكبر ستحوله إلى هشيم.

إعادة النصاب إلى الهدف الأساس من الثورات، بأن يمتاز المعسكر المطالب بالحرية الحقيقية، عن معسكر أصحاب المصالح الفئوية والأفكار الضيقة المغلقة، الذين يمتطون موجات الفرقة الدامية التي يثيرها أعداء الحرية، أمر بات ضرورة بقاء للأمة.

والحرية تظل الهدف الذي لا رجعة عنه، فهي البيئة الصالحة وحدها للقضاء على ذلك العفن الدفين، من الاختلافات التي لا تؤمن بأن حق الآخر حق مقدس.

Email