محاولة فاشلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالتأكيد لم تأت خطوة حركة حماس الأخيرة نتيجة حسن نية منها، بل محاولة لتجميل الانقسام وتعزيز الانقلاب، وبحثاً عن مخرج من الأزمة التي تعيشها الحركة عقب سقوط حكم جماعة الإخوان في مصر، فضلاً عن تزايد الضغوط الداخلية.

فدعوة إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، والتي هي احدى أذرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بشأن مشاركة الفصائل الفلسطينية الأخرى في تسيير شؤون غزة، يبدو أنها جاءت عقب الإدراك العميق لما أنتجته تداعيات الثورة المصرية الثانية، ومحاولة يائسة للجم حركة "تمرد" غزة، وما يمكن أن تحققه في الحادي عشر من نوفمبر المقبل.

ونعود لنذكر هنا بمراوغات حركة حماس منذ بدء الانقسام الفلسطيني، إثر انقلابها على السلطة الفلسطينية عام 2007، حيث جرت جولات من المفاوضات بينها وبين "فتح" من أجل التوصل إلى اتفاق مصالحة ينهي حالة الانقسام، التي لم يستفد منها سوى الاحتلال الإسرائيلي ومن يسعون وراء السلطة. لكن حماس حولت هذه اللقاءات والاتفاقات.

كتلك التي تعقد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقط لكسب الوقت وتحقيق مكاسب على الأرض، خاصة أن هنالك أطرافا خارجية تتدخل لتعميق الانقسام، عبر إظهار كل طرف على أنه هو الأحق والأقدر على حكم وسلطة هي أصلا تحت الاحتلال. ولتكون المحصلة خدمة المحتل في تحقيق أجندته، والتي نهايتها تصفية القضية الفلسطينية.

وقد رأينا أن كل اتفاقات المصالحة الوطنية الفلسطينية، منذ اتفاق مكة ثم اتفاق القاهرة وحتى اتفاق الدوحة، لم تر النور وأثبتت الحركة الانقلابية أنها مجرد مراوغات. ونحن مع الرأي القائل بأن الحوارات الحقيقية حول المصالحة ليست تلك التي تجري تحت الأضواء بين حركتي فتح وحماس، بل تلك التي تجري في الخفاء بين واشنطن من جانب وكل من فتح وحماس على حدة، باعتبار أن مفاوضات المصالحة ستكون جزءا من عملية التسوية، وجزءا من إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.

ولكن يبدو أن خيوط اللعبة تغيرت قليلا بعد الضربة التي تلقاها تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، والذي أظهر للعلن أنه حليف رئيسي لواشنطن والغرب عموما، فما حدث في مصر أضعف حماس باعتبارها جزءا من تنظيم الإخوان.

إضافة إلى شعور الحركة بأنها محاصرة وتريد أن تفتح أبواب الخروج من الحصار. ولأنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية غزة لوحدها، فتحت باب مشاركة الآخرين لها في حكم غزة، اعتقادا منها أنها بذلك قد تخفف الاحتقان الذي يشهده الشارع الفلسطيني، وتريد أن تستبق الأحداث ولا تدع للآخرين مجالا للاحتجاج والتظاهر، إلا أن محاولتها هذه باءت بالفشل، لإدراك الفلسطيني أنها محاولة تجميلية لشكل الانقسام وتكريس للانقلاب والتفاف على الوحدة الوطنية.

إن الطريق الأسهل لضمان الوحدة الوطنية هو تطبيق اتفاق المصالحة، وليس المشاركة في سياسة الأمر الواقع التي تقيمها حماس، والتي عليها أن تتفضل وتعمل بجد من أجل حكومة وفاق لكل فلسطين، والذهاب إلى الانتخابات العامة وتأمين الحريات.

Email