قبل ما يقارب الخمسة أعوام من الآن ظهرت لعبة في الأسوق السعودية اسمها (التدبيلة) تحاكي قوانينها وطريقة لعبها وأهدافها سوق الأسهم السعودي وتباع في أغلب المراكز التجارية بقيمة العشرين ريالاً فقط. يغلب على معظم المقبلين على شرائها صغار السن وبالتحديد الاطفال، فتتعجب من أن ذات المفردات المتداولة بين اللاعبين الصغار هي ذاتها المفردات المتداولة في صالات الاسهم بين الكبار.
فعلى سبيل المثال يتداول اللاعبون مفردة (سهم) التي ترمز الى بطاقة اللعب و(المحفظة) الى مجموع البطاقات السبع الرئيسية. كذلك يتسابق الجميع للحصول على البطاقات الزرقاء والتي تمثل القطاع الصناعي القوي والذي يشكل للاعب او (المضارب) مضاربة آمنة الى حد كبير. باختصار بمجرد إهداء هذه اللعبة لطفلك فكأنما قدمت له دورة في تداول الاسهم بمبلغ زهيد واسلوب جذاب، وبذلك ساعدت في تنمية ذكائه الاقتصادي عن طريق اللعب الذي هو احد سبل التعليم المتعارف عليها علمياً.
على المستوى الشخصي أتذكر بوضوح الوقت والكيفية التي تعلمت من خلالها ماهية سوق الاسهم وآلية عمله، كان ذلك حينما كنت بعمر التاسعة تقريبا وكنت حينئذ حاضرة في مجلس يضم اخوالي وخالاتي في مزرعة الجد عبدالله بن خميس، رحمه الله، "عمورية"، وكان الحديث يدور آنذاك حول الاسهم وأحوالها، كنت استمع دون أدنى معرفة حول موضوع النقاش الدائر.
فما كان مني سوى ان طرحت تساؤلي بفضولية طفل يحب الاستطلاع: (ايش يعني اسهم). فلم يتردد او يتوانى الخال عصام، رحمه الله، في الاجابة وإشباع فضولي، فبادر بالتقاط صندوق مليء بالخيار كان بالقرب منه وبدأ يشرح لي بطريقة بسيطة جدا تتلاءم مع عقليتي الغضة، فمثّل لي السوق بالصندوق والاسهم بالخيار. ومن حينها وانا ادرك هذا المفهوم الاستثماري والفضل يعود الى شخص لم يتجاهل فكر طفله بل وجد انه من الضرورة الاجابة عنها واحتوى بكل لطف وحكمة سؤالها.
وعلى ذات النحو وقبل خمسة عشر عاماً تقريبا كانت المدارس الابتدائية تدعو الاطفال الى استثمار اموالهم من خلال المساهمة بمبلغ يتراوح ما بين الثلاثة الى الخمسة ريالات في بداية العام الدراسي لتكوّن بذلك رأس مال (المقصف) المدرسي وشراء بعض ادوات غرفة التربية الفنية والاقتصاد المنزلي والطباشير الملّون.
وفي نهاية العام الدراسي تقسّم الارباح مع رأس المال على الطالبات المستثمرات بنسبة محدودة. إثراء بيئة الطفل بكل ما من شأنه تشجيعه على الرغبة في تعلم اشياء جديدة من خلال القصص او الرسم او اللعب او غيرها وهي من الطرق الاقرب الى توصيل المعلومة الى عقلية الطفل والتي ايضا من شأنها اختزال المفاهيم الجادة وحتى المعقدة بأسلوب بسيط ومحبب لنفس الاطفال من الامور التي يجب الحرص عليها.
كما كان الطفل صالح كامل الذي باع ارجل الخراف وباع الاكلة الشعبية (البليلة) ايضا وبعد ذلك تطور مع تطور سنين عمره حتى اصبح اليوم صالح كامل مليارديراً ومن اهم رجال الاعمال دون منازع.
ليكن استثمارنا الاول في أبنائنا فهو استثمار ناجح بلا أدنى شك.