مصر من العصيان إلى الانفجار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن وصف الحالة في مصر الآن بأنها تجاوزت «المأساوية»، وأصبحت «كارثية»، ولا تبدو من جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة أي بوادر للتهدئة أو امتصاص غضب الشعب، بل على العكس، يصبون المزيد من الزيت على النار، وها هي أعداد القتلى تتزايد، والأمن يتعامل مع التظاهرات والاحتجاجات السلمية، بأسوأ أنواع القمع التي لم يشهدها المصريون من قبل.

وباتت الأدلة واضحة للجميع على وجود طرف ثالث مجهول الهوية، في الصدامات بين الأمن والشعب، هذا الطرف يرتدي الزي المدني، ويقف بين صفوف الأمن علناً، وتصوره الكاميرات من كل جانب، ولا أحد من المسؤولين في الداخلية أو الحكومة، يجيب على السؤال المحير: من هؤلاء؟. وعلى الرغم من أن وزير الداخلية المصري الحالي محسوب على الإخوان، وولاؤه لهم، إلا أن ضباط وأفراد الأمن ولاؤهم غير مضمون.

ولهذا، استوجب الأمر أن تكون بينهم مجموعات غريبة عنهم، تتولى تنفيذ المهام القذرة من الضرب المبرح بلا رحمة، والسحل وإطلاق الرصاص الحي، واعتقال الأطفال صغار السن وتعذيبهم، وغير ذلك من الأساليب التي لا يعرفها الأمن المصري، ولم يتدرب عليها. وقد لا يتوانى هذا الطرف الثالث الغريب، عن إطلاق النار على رجال الأمن أنفسهم، وقتلهم، وهذا ما حدث بالفعل، وذلك لإثارة الأمن، وتصوير المتظاهرين الثائرين على أنهم بلطجية ومجرمون.

أسلوب «العصيان المدني» الذي لم تعرفه مصر من قبل، أسلوب سلمي بحت، ليس فيه أكثر من تعطيل الحياة المدنية، ولا يجوز أن يكون الرد على هذا الأسلوب بهذا الشكل البشع من العنف والقتل، كما أنه غير مقبول ولا معقول اعتبار المشاركين في العصيان المدني، مجموعات من البلطجية والمجرمين والهاربين من السجون، فهؤلاء ليست لهم أية مصلحة في العصيان المدني، ولا في مواجهة الأمن.

ولو ثبت وجود فرد من هؤلاء وسط جموع المتظاهرين، فعلى جهات الأمن القبض عليه وإظهاره. انتشار العصيان المدني بسرعة في عدة مدن، وكذلك استمراره لعدة أيام متواصلة، وضع نظام الإخوان في مأزق كبير، والحكومة والأمن ليس لديهم في مواجهته سوى العنف والقتل.

لقد بات واضحاً أن الأمور في مصر تسير في طريق مسدود تماماً، ولا أمل في منفذ منه، حيث كلا الطرفين مصممان على الاستمرار وعدم التراجع، ومطالب الشارع تجاوزت كل السقوف، وتجمعت في مطلب واحد، هو «إسقاط النظام»، والنظام يكشر عن أنيابه ولا يريد أن يقدم أي تنازلات، بل على العكس، يدفع الأمور نحو الانفجار الحتمي، وذلك بتصميمه على إجراء انتخابات برلمانية في ظل هذه الظروف الكارثية، وسط رفض ومقاطعة من التيارات المعارضة.

ومن جموع الثائرين في شوارع المدن المصرية. تصميم الإخوان على إجراء الانتخابات في ظل هذه الأجواء من الغضب الشعبي العارم ضدهم، يؤكد نيتهم المبيتة لتزويرها، وهو الأمر الذي سيؤدي بالقطع إلى انفجار الأوضاع، التي لا يستبعد معها تدخل الجيش المصري في الأزمة، ما قد تنتج عنه صدامات ميدانية بين الجيش وبين الأمن، الذي زرع الإخوان في صفوفه طرفاً ثالثاً غامضاً، ولاؤه للجماعة، وليس للوطن.

Email