الديمقراطية عصية عربياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

كأنما يصدق على العرب القول الفاسد؛ أمة ليس في وسعها ممارسة الديمقراطية. بعد حولين على الثورة الباسلة في تونس، مصر، ليبيا واليمن، لاتزال شعوبها عند مفترق الطرق نفسه، لا ظهراً أبقت ولا درباً قطعت. الشعوب استبدلت ماكينات استبداد صدئة، بأخرى عتيقة شائخة. الوجوه على المشهد تغيرت، لكن النص المسرحي لا يزال على حاله. الأدمغة البديلة لم تفرز واقعاً جديداً.

حصاد الثورة الشعبية لا يتجاوز الخيبات المريرة. كل الشعارات البراقة المرتجاة سقطت تحت طاولات الخلافات المزمنة. بذور الثورة الواعدة لم تثمر طوال حولين نبتة زاهية، كأنما الحقل العربي ليس مهيأ لإنتاج تاريخ حديث. السلطات الجديدة في تونس، القاهرة، طرابلس وصنعاء، غارقة في دوامة أزمات متشابهة حد التطابق. كلها عاجزة عن الإقناع بإمكانية إحداث تقدم على جبهة الممارسة الديمقراطية.

التيار الصاعد إلى السلطة من صناديق الاقتراع، يمارس كل فصول الاستبداد المألوفة في عهود الديكتاتوريات الفردية الظالمة. هذا التيار ليس من فلول الأنظمة المخلوعة، بل هو من قوى الثورة الحاشدة ضد تلك الأنظمة، غير أنه خارج من البيئة الاستبدادية ذاتها، ويستند إلى البنية العقلية الإقصائية نفسها. من هنا يصبح المشهد مكروراً، إذ يغلب عليه احتكار مفاصل الدولة ومؤسساتها، كما ممارسات القمع والتضييق والمطاردة والترهيب والترغيب.

عقل الأمة ليس عصياً على التجربة الديمقراطية. الأزمة تكمن في عقلية الصاعدين الجدد إلى السلطة باسم الحرية. هؤلاء عاجزون عن استيعاب مهام مرحلة غداة الثورة. ترتيب أولويات المرحلة مسألة تالية للفهم. الحديث الاستهلاكي المكرور عن حشد الطاقات لتجاوز بحر الأزمات، لا يعكس حداً أدنى من القناعة في حقل الممارسة.

بالإضافة إلى الاستبداد، تتفشى ممارسات الفساد والقمع والتكالب على مؤسسات الدولة واحتكار القرار. بعض الأيادي الحاكمة في العواصم الثلاث تواجه اتهامات بالتوغل في دماء المعارضين والأبرياء. هؤلاء يجعلون التجربة الديمقراطية عصية عربياً.

اغتيال المناضل التونسي شكري بلعيد ليس جريمة فردية. الحدث يشكل ثمرة طبيعية لبيئة العنف المكرسة من قبل النهضة. بدلاً من بث التسامح والتقارب، بنت الحركة الإسلامية ميليشيا من أجل حماية ما أسمته مكاسبها الانتخابية. تصفية بلعيد نهاراً أمام منزله، أحد ذراري تحريض الغنوشي العلني للسلفيين ضد العلمانيين والليبراليين. هؤلاء يجعلون التجربة الديمقراطية عصية على العرب. المشهد المصري لم يتبدل بعد سنتين على انفجار الثورة الشعبية المهولة.. طموحات الجماهير الهادرة في الميادين، أكبر من حصاد الخيبات المكدس في المدن والريف. الأزمات لم تعد أكبر، بل صارت أكثر عدداً. الدولة القابضة في القاهرة لا تليق بالشعب المصري وثورته. هذه دولة الفتاوى المحرضة على التصفية والسحل. دولة تحرض على عري مواطنيها وتعجز عن ستر عجزها.

مع صعود الإسلاميين إلى السلطة، وجدت المعارضة نفسها في مأزق مستحكم. بالإضافة إلى إخفاقات السياسة، تواجه المعارضة سلطة تتسربل بالدين حتى يغدو كل نقد لممارساتها أو هجوم عليها، اعتداء على الإسلام(!) تلك أزمة جوهرية تجعل المعارضة كمن يسير في حقل ملغوم. من الصعب مواجهة سلطة مستبدة سياسياً ومتزمتة دينياً، في مجتمع أمي متخلف.

Email