تحدثنا من قبل هنا تحت عنوان "المرأة والتقاعد"، عن إمكانية النظر في قانون التأمينات الاجتماعية الخاص باستحقاقات الراتب التقاعدي، للموظفين المواطنين من الجنسين.

ونظرا لمطالبة العديد من النساء العاملات بطرح هذا الموضوع، فإننا نستكمل ما بدأناه بعرض رغبة شريحة عريضة من النساء، بالنظر في عدد سنوات الخدمة للمرأة، بحيث يكفل لها القانون التقاعد بعد خمسة عشر عاما من العمل، مع منحها فرصة العمل فترة أطول ترتئيها وتتوافق مع ظروفها الاجتماعية.

وعطفا على ذلك، يأتي الحديث عن شرطي التقاعد، وهما؛ استكمال سنوات الخدمة عشرين عاما، وإتمام سنوات العمر. فالقانون ينص على ضرورة الوفاء بالشرطين معا، ليستحق الموظف راتبه التقاعدي، وهما إنهاء سنوات الخدمة العشرين، وبلوغ الموظف الستين من العمر.

وفي حال أنهى الموظف عشرين عاما في الخدمة قبل بلوغ الستين، ورغب في التقاعد حسب توفر أحد شرطي القانون، فإن القانون هنا يحرمه أو يحرمها من الانتفاع بالراتب التقاعدي للمدة المتبقية على تحقق الشرط الآخر، حتى انقضائها.

أما إذا بلغ الموظف الستين من العمر ولم يستوف سنوات العمل العشرين، فعليه أن يواصل العمل حتى إتمام العشرين عاما، وبعد انقضاء المدة التي قد تكون سنتين أو أكثر أو أقل، حينها يمكنه الحصول على الراتب.

وها هنا تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها، أولها؛ ترى من أين ينفق الشخص في تلك الحالة طوال فترة الانتظار إلى حين انقضاء فرق السنوات المتبقية؟ ثم.. ماذا لو وقع قضاء الله مثلا عليه، فاختاره الله إلى جواره وهو في فترة الانتظار تلك؟

سؤال آخر؛ كيف يمكن أن يتحقق الشرطان معا في ذات الوقت؟! وهناك من انخرط في سوق العمل في عمر مبكر، وهناك من استكمل دراسته بعد التحاقه بالوظيفة، بحيث ينهي العشرين عاما من العمل قبل بلوغه الخمسين وليس الستين فحسب! كما أن هناك من التحق بالعمل في عمر متقدم أيضا.

ثم، هل يستطيع من بلغ الستين ولم يستوف سنوات الخدمة العشرين أن يعمل بكفاءة؟ وهل يضمن صحته من العلل والإجهاد؟!

إنها بعض استفهامات تفرض نفسها في هذا الموضوع، ليجد المرء نفسه أمام معادلة شائكة، حيث من الصعوبة أن يتحقق الشرطان، وهو ما يخلق إشكالية حقيقية للمنتفع من الراتب التقاعدي. أسئلة أفرزها الواقع، خاصة فيما يتعلق بنص القانون الذي يقرن الشرطين لاستحقاق المتقاعد لراتبه.

 فمن يرى احتمال وقوع خطأ سهوا عند تحرير نص قانون التقاعد لدينا مثلا، يقول: أفلا يكون قد سقط حرف الألف قبل حرف الواو؟ وأن الأصل في القانون هو "أو" وليس "و"؟ وأنه يحق للموظف التقاعد متى وصل إلى أحد الأجلين.. العشرين عاما من الخدمة، "أو" الستين عاما من العمر؟ يقول: ربما!

ونشير هنا إلى اقتراح أحد أعضاء المجلس الوطني في إحدى جلساته، بفك ارتباط شرط العمر عن شرط سنوات الخدمة، لأَنه اقتراح صائب، لكونه يسد الثغرة مثار الأسئلة والجدال، وهو بذلك يرى إلى تحقيق المصلحة العامة، التي بها تتحقق بالضرورة المصلحة الخاصة وفي هذا الشأن بالذات.