أمضى المهندس "تشارلز ب. دارو" ساعات طويلة حبيس منزله، بسبب أوضاعه المالية القريبة من الفقر، وإحساسه بالإحباط لكونه عاطلا عن العمل، وكرد فعل على ضوائقه المادية والنفسية، بدأ في تصميم لعبة للتسلية ولملء وقت الفراغ.

ولمَا كانت الفترة التي يعاصرها المهندس الشاب هي ثلاثينات القرن العشرين، والتي شاعت فيها أزمة اقتصادية كبرى، فقد أوحت له هذه الأوضاع بفكرة اللعبة، حيث كانت تنشر في الصحف اليومية أنباء إفلاس ودعاوى واستحقاقات الديون وبيع المنازل في المزادات العلنية، ولكن "دارو" غيّر مجريات الواقع في قوانين لعبته، واضعا مجالات الربح تأتي من مجرد رمية زهر موفقة..!

لقيت اللعبة أو ما أطلق عليها مسمى "المونوبولي" والمنزلية الصنع، إقبالا من الأصدقاء والعائلة، حتى أن أحدهم بادر عام 1934 بالاتصال بمؤسسة "ماساتشوستس" للألعاب، فقامت إدارة الشركة باختبار اللعبة، وبعد ذلك أجمع مجلس الإدارة على رفضها بسبب انعدام المستقبل التجاري لها، وبسبaب بطء حركة اللعبة وصعوبة قوانينها وتعقيدها..

لم يحط القرار من عزيمة "دارو"، فقابل مدير متجر للألعاب والذي لم يقتصر على التمتع باللعبة، بل طلب أعداداً أخرى منها لوضعها في متجره بغية بيعها.

استطاع دارو بالاقتراض، تأمين 5000 وحدة من اللعبة، وباعها محققة رواجا جعل مؤسسة "ماساتشوستس" تعيد النظر في مشروعه الترفيهي، وعلى هذا أصبحت المؤسسة الأخيرة تنتج منها وحدات بالآلاف وتسجل عائدات أرباح مهولة.

وبهذا تحولت حياة المهندس تشارلز من عاطل عن العمل إلى مليونير، ونشرت لعبة المونوبولي بتسع عشرة لغة مختلفة، وبيعت حقوق إنتاج اللعبة إلى ثمانية وعشرين بلداً.

لم يكن تشارلز أو أي من أفراد عائلته يتخيل أن يصبح يوما ما صاحب ثروة، بعد أن كان مفلسا وعاطلا عن العمل، ولكن القصة تخبرنا أنه "عمل"، وليس المهم ما الذي قام به، بل المهم هنا أنه عمل أمراً كان يتقنه ويشد انتباهه، وبتشجيع الأهل والأصدقاء حوّل التسلية إلى مشروع جدي واستثماري يدر عليه ملايين الدولارات..

هذه القصص تلهمنا وتشجعنا على أن نجعل من المستحيل ممكناً، وأن لا نستهين أو نستصغر اهتماماتنا أو هواياتنا.. فكل ما علينا أن نكون كما خُلقنا، كائنات حية لا ساكنة، تعمل وتبحث وتفكر وتتحرك، وحين يتم ذلك بالتأكيد سنستدر عطف الظروف ويستجيب لنا القدر بتقديم المساعدة.

ذهب السنابل: "العمل هو مزيج من الصراع والتسلية" ـ اندريه موروا