يقول الدكتور الراحل غازي القصيبي: «بدون تنمية لابد من استمرار التخلف، ومع استمرار التخلف لابد من استمرار الفقر، ومع استمرار الفقر تنعدم كل المقومات اللازمة للحياة البشرية الكريمة.
بدون تنمية ستستمر الفوارق الرهيبة بين البشر:75% من ثروات الكرة الارضية مركزة في يد 20% من سكانها. وبدون تنمية ستزداد الهوة بين الاغنياء والفقراء». إذن لابد من التنمية ذات التخطيط المحكم والأهداف الواضحة التي تنبع من حاجة الشعوب، وما يتناسب مع عادتها وتقاليدها، وليس بقرارات فوقية من اعلى الحكومات ومن قمة الهرم.
ولأن موضوع التنمية عادة لا يفهمه إلا قلة من الناس لتشابك موضوعاته وعمقها ارتأيت ان اذكر قصصاً تنموية «فاشلة» لتقريب مفادها للقارئ العادي، الذي من الضروري جدا ان يحاط علماً بموضوع التنمية المهم، وان تكون عبرة لمن يخشى فشلها.
فبعض القادة يعتقدون اعتقاداً خاطئاً لعملية التنمية على انها نقل المظاهر والقشور من العالم الأول، دون مراعاة الفروق بين الدول بطبيعة الحال، والمثال الحي على هذا الفهم المغلوط اتاتورك في تركيا، والشاه رضا خان في ايران.
فالأخير قام بمنع الأزياء الإيرانية التقليدية، واصدر قراراً بوضع القبعة على الرأس، ومنع النساء من لبس العباءة، وأي معارضة كانت تقابل بتمزيق العباءات من قبل الشرطة، وحين احتج الناس واجتمعوا في المساجد امر الشاه نسف المساجد وامر بتوطين البدو رغما عنهم، وكانت ردة الفعل على مقاومة البدو انه قام بأمر العسكر بتسميم الآبار، كما اصدر قرارا بمنع تصوير الجمل، لأنه يعتبر حيواناً بدائياً يرمز الى التخلف.
«إيه والله!»
ولم يتوقف الأمر عند الأب، بل تابع الابن محمد رضا بهلوي مسلسل فشل التنمية، حينما قرر شراء مواد ومعدات من مختلف انحاء العالم بمليارات الدولارات، ومع وصول السفن المحملة بالمعدات المشتراة تبيّن ان موانئ ايران الصغيرة لا تستوعب الحملة الضخمة من هذه الأساطيل، وعلى هذا ظلت السفن تنتظر دورها في الموانئ شهوراً وتجاوزت تكلفة الانتظار مليار دولار سنويا، وبعد التفريغ تبين انه لا توجد مخازن بالقرب من الموانئ تستوعب الواردات، فتركت مطروحة في العراء، وبعد حين فسد جزء كبير من هذه الواردات.
وكانت الخطوة التالية هي نقل بقية المواد الى الداخل حتى ينقذ ما يمكن انقاذه، فسرعان ما تبين انه لا يوجد شاحنات نقل تكفي لهذا الغرض، فطلب من اوروبا 2000 شاحنة الا انه تبين عند وصولها انه لا يوجد عدد كاف من الإيرانيين المدربين على قيادتها، وعلى وجه السرعة تم استحضار سائقي شاحنات من كوريا، الذين ادركوا بعد قدومهم انهم يتقاضون اجوراً اقل بكثير من اجور الإيرانيين، فأضربوا عن العمل وعادوا الى بلدهم.
كان لنا ان نتسلى بهذه القصة المأساوية، الا انها واقعية ومؤسفة وتتكرر في بلدان كثيرة من العالم الثالث، والسبب ان الحكومات تقرر ان تنمي قبل ان تخطط.!
ذهب السنابل: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ».