اتساءل ولم يفارقني هذا التساؤل منذ ما يقارب العام واكثر منذ اندلاع الثورة السورية، كيف لبشار الاسد الذي اختار تخصصه الدراسي طب العيون لانه اقل التخصصات الطبية التي يشاهد خلالها الدماء..! وكيف لمن يتسمون بـ «الشبيحة» ان يفتكوا ويقطعوا كما لو كانوا وحوش برية شديدة الجوع والافتراس..! والسؤال يمتد لـ سجن ابو غريب ومحاكم التفتيش الاسبانية والمذبحة الجماعية في رواندا وسربنيتشيا ولأرييل شارون وادولف ايخمان المسؤول في حكومة هتلر عن مقتل ملايين البشر..!! فما الذي يحدث حينما يذوب الانسان في داخل ابنية مؤسسية اكبر منه؟!
يقول الطبيب النفسي «ستانلي ميلجرام» في كتابه «إطاعة السلطة»:
ان هؤلاء ليسوا الا اشخاصا عاديين وضعوا في ظروف غير عادية، فهم ليسوا مرضى نفسيين ولكنهم موظفين بشر لديهم توجه شديد لإطاعة السلطة، يستهدف هذا التوجه حفاظهم على حياتهم.
ومفهومهم انه لابد من ان يكون هناك قادة وتابعون وتدرج للسلطة حتى تسير الامور. وإن الافراد إذا تركوا في حالهم فسيتحلون بالمسؤولية عما يفعلونه ويعتبرون انفسهم بذلك احرار، ولكنهم حينما يكونوا بداخل نظام او هرم للسلطة فإنهم يكونوا اكثر من مستعدين للتنازل عن هذه المسؤولية لغيرهم.
ويتوقفون عن ان يكونوا على طبيعة ذواتهم الحقيقية ويصبحون «عملاء» لشخص او شيء آخر كالدين او القائد الكاريزمي او المعتقد او ايدلوجيا معينة. فحين يطلب منهم ان يكونوا وحوش فأنهم يطورون في دواخلهم آليات تعينهم وتبرر لهم الطاعة العمياء وإرضاء السلطة وتهميش الاحساس بالذنب وخنق الضمير...
إما انهم يحولون المسؤولية الاخلاقية الى صاحب السلطة وهو الدفاع المعنون بـ (انا اتبع الاوامر فقط) وهذه الجملة اعتادت محاكم جرائم الحرب على سماعها.
ان سلوكياتهم ليست اهم من قضية اكبر وهي اهم من انفسهم كأرتباطها بأسباب دينية او عقائد سياسية.
تقليل انسانية الضحية بكونه غبي عرّض نفسه لهذا العقاب والقضاء على هذه الشخصيات الحقيرة سيجعل العالم مكانا افضل.
يقول ستانلي: «بُنيت غرف الغاز، وكانت معسكرات الموت تحت حراسة قوية، وكان المنتج اليومي من الجثث لتلك المعسكرات لا يقل عن عدد المنتجات التي يخرجها اي مصنع يوميا. ربما كانت هذه السياسات عديمة الانسانية قد نشأت في عقل شخص واحد ومع ذلك فلم يكن لها ان تتحقق على نطاق واسع ما لم يطع عدد كبير من الناس الاوامر».
حتى وان كان ذلك كله من الموروث البشري فهذا ليس مبررا وان كان موضحاً لهذه الافعال البشعة، ولكن لا بد للإنسانية ان تقول كلمتها بحزم وصرامة لكي نتخلص من هذه الافكار المدفونة او التوجهات العميقة التي ان لم تروّض ويكبح جماحها ستدمر النفس البشرية وتلحق الضرر والاذى. وان علينا فرداً فرداً ان نكون على استعداد تام ان نضع انسانيتنا قبل النظام وقبل كل شيء.