أدونيس.. ماذا تفعل بنفسك؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُراها مجلةُ بروفايل النمساوية اقترفت، على لسان أَدونيس، شتمَ الإخوان المسلمين بأنَّهم فاشيون، أَم أَنَّ الشاعر الكبير قصدَ هذه المفردة تحديداً في نقدِه الجماعةَ الإسلامية في مقابلتِه مع المجلة؟

 الشتيمةُ ثقيلة، وتُسوِّغ سؤالاً عما يفعله أَدونيس بنفسِه، حين يتجاوز فيها النقدَ الذي يدأَبُ عليه منذ عقود تجاه الحركات الإسلامية، وتجاه ذوي الهوى الدينيِّ في الاجتماع والسياسة. والبادي أَنّه في توترٍ وقلقٍ شديديْن، قد يجعلانه في رُهابٍ حادٍّ، جراءَ وصول إِسلاميين إِلى برلمانيْ مصر وتونس أَخيراً، دلَّ على ذلك قولُه للمجلةِ إِنّه أُعجِبَ بالثوراتِ العربية في بداياتِها، لكنه تحوَّل إِلى انتقادِها مع وصولِ أُولئك إِلى الحكمِ في البلديْن.

ومع الانحياز الواجبِ لدورٍ للمثقف، اعتراضيٍّ ونقديٍّ واحتجاجيٍّ، ما يعني الانحيازَ إِلى حقِّ أَدونيس (وغيرِه) في انتقادِ ما يشاءُ من الظواهر قدّامه، أَياً كان منسوبُ الاحتفائيّة بها، فإِن قارئَ كلام أَدونيس يلحظُ فيه مقادير من حولٍ في نظرِه إِلى الثورات العربية المستجدّة، لكي لا نقول "العمى الثقافي"، بحسبِ الناقد عبد الله الغذامي. ببساطةٍ، لأَننا في الحكمِ على حركةِ المجتمعاتِ وتحولاتِها حين لا تُرضينا نتائجُها ومآلاتُها، نكون قد افترضنا أَنفسَنا مخبريين نُجري عملياتٍ كيميائية، نضعُ موادَّ مع بعضِها لتتخلَّقَ موادُّ أُخرى نرومُها.

والبديهيُّ أَنَّ سذاجَتنا شديدةُ الفداحةِ إِذا توهَّمنا أَنَّ مساراتِ مجتمعاتِنا العربية تُحدِّدُها نظرياتٌ ومعادلاتٌ في أَفهامِنا، نحن المثقفين، سيما منّا ذوي الهوس بالتنظير في قصيدة النثر، ولا تشغلهم لحظةً حاجةُ الملايين في شعوبنا العربية كرامةً في عيشِهم.

يندرجُ كلام أَدونيس للمجلة النمساوية، في مسارٍ من الالتباس والغموض والتوريات بشأن الجاري في المشهدِ العربي منذ أَزيد من عام، وفي بلدِه سوريا. ففي البال أَنّه خاطبَ الرئيس بشار الأَسد في رسالةٍ، نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي، واعتبرَه رئيساً منتخباً، وأَوكل إِليه نقلَ سوريا إِلى الديمقراطية. و

هاجمَ خروجَ المظاهرات في الانتفاضةِ السورية من المساجِد، وأَلحَّ على أَن سبب الأَزمة أُحادية حزب البعث. وخلت الرسالة من أَيِّ إِشارةٍ إِلى عمليات القتل والترويع والفتك، ويتحمَّل مسؤوليَّتها نفوذُ أَجهزة الأمن والقوة العسكرية المستحكم في سوريا، ولذلك، بدا تشخيص أَدونيس الحالة كلها مغلوطاً، حتى إِذا مضى المشهد السوري إِلى تفاصيله المعلومة لاحقاً، بادر إِلى دعوة الأَسد إِلى التنحّي، مع طخٍّ وفيرٍ من جانبِه على المعارضةِ السورية، لا لشيءٍ إِلا لأَنَّ الإسلاميين جزءٌ كبير منها.

ودائماً من دون كثيرِ تعليقٍ على أَهوالٍ تحدثُ في سوريا. وفي مقابلتِه مع "الغارديان" البريطانية، قبل أَيام، يُكرِّر الكلام نفسَه، مع مراوغةٍ أكثر شطارةً، سيما في قولِه إِنَّ المبدعَ يجبُ أَنْ يكون دائماً مع ما هو ثوري، ولكنْ، يجب أَنْ لا يتحدَّثَ كالثوريين.

نلتقي مع أَدونيس في وجوبِ الفصل بين السياسيِّ والدينيِّ في تدبير الشأنِ العام، لكن بعض مجتمعاتِنا العربية إذ تخوضُ، منذ شهورٍ فقط، تمريناً شجاعاً في نزعِ السلطةِ من غاصبيها، تحتاجُ إِلى تجربةٍ عمليةٍ، وتاريخيةٍ بالضرورة.

فيها عثراتٌ وعقباتٌ غيرُ هيِّنة، قبل الوصولِ إِلى هذا الذي نشتهيه، ما يوجبُ على مثقف كبير في قامة أَدونيس أَنْ يكون أَكثر تبصراً في راهن المجتمعاتِ العربية وأَشواقها وتطلعاتِها، ليس بالفوقيَّةِ المدرسيةِ التي يحترفُها، وقبل ذلك وبعدَه، أَنْ يتيَّقَنَ من أَنَّ العالمَ يتغيَّرُ بحسب قوانينِه، وليس بحسبِ ما نتمنّى ونرغب.

ولمّا كانت هذه المنطقةُ من النقاشِ المطروحِ جدليةً، فإِنَّ نصرةَ الثورة السورية وناسِها، بلا تأتأةٍ ولعثمة، لا نظنُّ أَنَّ من اللائق أَنْ يكون مطرحَ خلافٍ مع الشاعر الكبير. أَما مجازفتُه برميِ "الإِخوان المسلمين" بالفاشيّة، ومن دون أَدنى تحرُّزٍ ، فالخشيةُ أَنها تصدرُ عن رُهابٍ يُقلقُ عقله، فيجعلُه يفعلُ بنفسِه ما نرى مما لم نُحبُّه له يوماً.

 

Email