وعود أوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشرت مؤخراً نتائج أول استطلاع رأي يجرى منذ خطاب الرئيس أوباما الأخير عن الوضع الاقتصادي، وهي لا تبدو إيجابية جداً. وبحسب الاستطلاع الذي أجرته واشنطن بوست وإيه بي سي نيوز، لا تزال شعبية الرئيس تتراجع، بسبب مخاوف الناس من تردي الأوضاع الاقتصادية.

فقد اعتبر 44% من الأميركيين أن الوضع الاقتصادي يتجه من سيئ إلى أسوأ، وهي أعلى نسبة تدلي بمثل هذا الرأي منذ أكثر من عامين. كما عبر 57% من المشاركين في الاستطلاع، عن عدم رضاهم عن أداء الرئيس في تعامله مع مشكلات البلد الاقتصادية، وهذا أيضاً أسوأ تصنيف سلبي للرئيس في ما يتعلق بهذه القضية.

لو ألقى أوباما هذا الخطاب الحماسي المتلهب خلال حملته الانتخابية الرئاسية في 2008، فلا شك أنه كان سيترك أثراً إيجابياً واضحاً على مستويات شعبيته. لكن اللغة الخطابية الرنانة، صارت لها الآن نكهة غير مستساغة لدى معظم الأميركيين.

ربما لأننا نشعر أننا شاهدنا من قبل هذا الفيلم، الذي قد يكون من الملائم تسميته «هجوم الخطب الحماسية الفارغة». لكن هذه النسخة كانت حتى أكثر تشويشاً من النسخ السابقة للفيلم، التي أطلق فيها الرئيس وعوداً كبيرة لم تقترن بأفعال لاحقاً. أما في هذا الجزء المتمم من الفيلم، فبمجرد أن خرجت كلماته من شفتيه، تحولت إلى وعود فارغة.

ويبدو أن أوباما قد بنى خطابه على فرضية، أو على أمل أن معظم جمهوره لم يكن يتابع الأخبار في الفترة الأخيرة. وجاء في الخطاب «إنهم يريدون منح أشخاص مثلي تخفيضات ضريبية بقيمة 200 ألف دولار، يدفع ثمنها 33 شخصا مسنا بإضافة 6000 دولار إلى تكاليف رعايتهم الصحية. هذا ليس عدلاً، ولن يحدث طالما أنا في الرئاسة». وبدا أوباما بكلماته الرنانة هذه، كمن يكتب على الرمال.

لقد اعتدنا على رؤية الرئيس يطلق وعوداً قوية، ثم ينحني أمام الضغط ويتخلى عنها، بدءاً من إغلاق غوانتنامو، إلى عدم تمديد تخفيضات بوش الضريبية الممنوحة لأصحاب الملايين. والآن ها هو يطلق وعوداً قد حنث بها حتى قبل أن يقولها، وهو بذلك يشبه شخصية جاي بيرس في فيلم «مومنتو»، إذ ابتكر طريقة للحنث بوعوده خارج قيود التسلسل الزمني الطبيعي.

وبتوقيعه على تمديد العمل بتخفيضات بوش الضريبية في ديسمبر، وموافقته على خفض 38 مليار دولار (تتضمن برامج لمساعدة المساكين الذين طالما حمل رايتهم في خطابه)، أجهضت أفعاله أقواله سلفاً.

صحيح أن الخطاب كان موسوماً بنبرة التحدي، إذ دافع أوباما ببلاغة عن فكرة أن على الأثرياء أن يتحملوا «حصة أكبر من العبء الاقتصادي، بالمقارنة مع ما تتحمله الطبقة الوسطى أو الفقيرة»، نظراً «لإيماننا الراسخ بأن أولئك الذين حققوا أكبر فائدة من طريقتنا في الحياة، يمكنهم أن يردوا الجميل للمجتمع بشكل أكبر بقليل». لكن هذا الدفاع يبدو أقل فعالية بكثير، عندما يأتي الآن بعد أربعة أشهر من سماح أوباما للأثرياء بتمرير ذلك العبء إلى الطبقتين الوسطى والفقيرة.

وفي الأيام والأشهر المقبلة، ستكون أمام أوباما عدة فرص ليثبت أن تعهده «بعدم التخلي عن الالتزام الأساسي الذي تمسك به هذا البلد منذ أجيال»، أكثر من مجرد تصريح جذاب أنتجه دكان كتابة الخطابات في البيت الأبيض. والتحدي الخاص الذي أوجده أوباما لنفسه في هذا الخطاب، هو أنه وضع مشكلة صراع الميزانية مع الجمهوريين في سياق الالتزام بالمبادئ الأميركية والخيارات الأخلاقية، وأنت ببساطة لا تستطيع أن تساوم على المبادئ والخيارات الأخلاقية تحت اسم المرونة السياسية، أو على الأقل لا يمكنك أن تفعل ذلك وتتوقع بعد ذلك من الناس أن يصدقوا كلامك.

وإذا كان هذا الخطاب حقا بمثابة إطار حقيقي لطريقة عمل الحكومة حتى عام 2012، وإذا تبين أن تلك العبارات المكتوبة في الرمال حقيقية، عندها سأكون مسرورة جداً بأن أتراجع عن ردة فعلي السلبية إزاءه.

Email