قضية ستروس كان ونظرية العدو الداخلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع اقتراب حفلات التخرج والخطابة السنوية التي بدأت تلوح في الأفق، فقد كنت، على نحو أكثر من المعتاد، في مزاج فلسفي مؤخراً. كان من بين الأمور التي أدت إليها هذه الحالة من التأمل الذاتي، بمساعدة وتحريض موجة من عناوين الصحف في الآونة الأخيرة، التذكير بأنه في غمار لعبة الحياة، كما أشار إلى ذلك "كاسيوس" في مسرحية "يوليوس قيصر" للأديب الإنجليزي وليام شكسبير، أن: "الخطأ، يا عزيزي بروتوس، ليس في طالعنا، ولكن في أنفسنا".

كانت تلك الفكرة تتكرر كثيراً في أعمال شكسبير، الذي وصفها بطريقة أخرى في مسرحية "العبرة بالخواتيم"، عندما تقول "هيلينا": "غالباً ما تكمن أسباب شفائنا في أنفسنا ونعزوها إلى السماء".

ربما تخيل "دومينيك ستروس كان"، على الأرجح، أن أكبر العقبات أمام طموحاته هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أو منافسوه الرئيسيون في الحزب الاشتراكي الفرنسي. لكن في حين أن جميع الحقائق بشأن ما حدث أو لم يحدث في ذاك الجناح من فندق نيويورك، الذي يقدر سعر الليلة الواحدة فيه بثلاثة آلاف دولار، لم تتكشف بعد، فإنه من الواضح أن المنافس الذي فضح "ستروس" لم يكن واحداً من خصومه السياسيين.. لقد كان ستروس نفسه.

وعلى نحو مماثل في ولاية كاليفورنيا، فقد ألحق "أرنولد شوارزنيغر" هزيمة بالمعارضين، بمن فيهم أنا! سواء شاشة التليفزيون أو بعيداً عنها. ولكن في النهاية، لحقت به الهزيمة على يده هو نفسه.

إننا نرى هذه الديناميكية التي تؤتي ثمارها على النطاق الوطني في أميركا. في أوقات الشدة الاقتصادية خصوصاً، فإن هناك اتجاهاً للبحث عن سبب المشاكل في مجموعة "أخرى" أو عرق أو دين أو بلد. قبل أن يخبو نجمه، وهو ضحية ليس لقوى خارجية، ولكن لذاته، دونالد ترامب قد بدأ في الانتقال من نزعة الميلاد، محاولاً وصف الصين بأنها سبب عللنا الاقتصادية، بما في ذلك الوعد بأن يتم إخبار الزعماء الصينيين، "اسمعوا أيها الصينيون؛ إننا سوف نفرض عليكم ضريبة بـ25%".

لدينا الآن بالتأكيد نصيبنا من القضايا الاقتصادية المعقدة مع الصين، لكن الصين ليست السبب في الأوقات العصيبة الحالية التي نعيشها. ولكي نعثر على الجناة الحقيقيين، فإننا نحتاج إلى النظر في ما وراء حدودنا. في الواقع، كل ما نحتاج القيام به هو التحول إلى محطة إتش بي أو ومتابعة "أكبر من أن تفشل".

أما الآخرون، الذين يبحثون عن كبش فداء، فيريدون إلقاء اللوم عن مشاكلنا على المسلمين، أو العمال الحكوميين، أو المعلمين ، أو مغني موسيقى الراب، أو.. أو.. أو... باختصار؛ يلقون اللوم على أي شخص، إلا أنفسنا نحن.

في النهاية، إذا قضينا نسبة مئوية صغيرة من الوقت الذي نكرسه للتوجس ممن نعتبرهم منافسينا وخصومنا وأعداءنا، في تمحيص أخطائنا، فمن الصعب أن نعتقد أننا لن نكون أكثر نجاحاً، أو على الأقل ما هو أقل احتمالاً أن نهزم من قبل ذواتنا.

لقد كان "بوغو" محقاً، عندما قال: "لقد قابلنا العدو وهو نحن". وكما أخبرنا مواطني الفيلسوف "سقراط" بذلك كله قبل قرون مضت: "إن الحياة التي لا تخضع للتمحيص، لا تستحق أن نعيشها".

 

Email