الانترنت تدخل سنواتها الذهبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلقتُ، أخيراً، للمشاركة في أكبر القطاعات نمواً في عالم التكنولوجيا ووسائل الإعلام والانترنت، في مؤتمر حول التكنولوجيا ووسائل الإعلام وعالم الإنترنت. إنني أمزح، في الحقيقة، فأنا أذهب إلى الكثير من هذه المؤتمرات، لكن الأمر يتمثل في أنها فعلاً رائعة بشكل لا يصدق.

أما السبب وراء ذلك فهو فكرة خطرت لي كثيراً في الآونة الاخيرة وهي التي جعلتها محور خطابي هناك، تتمثل في نضج الإنترنت إلى نقطة اندماج حياتنا على شبكة الانترنت وخارجها، وهذا هو السبب في أن أي مؤتمر في مجال الإنترنت يتم بتنسيق جيد أو التكنولوجيا أو وسائل الإعلام أو المشاركة الاجتماعية يغدو مثيراً للاهتمام، لأننا لا نتحدث عن التكنولوجيا، وإنما عن حياتنا. فلا يمكنك الحديث عن أحدهما دون الآخر.

إن هذا المؤتمر على وجه التحديد الذي يحمل عنوان «مهرجان الأسود للإبداع»، عقد في مدينة كان بفرنسا. ولا تميز لائحة المشاركين، التي تضم الرؤساء التنفيذيين ورؤساء التسويق من جميع أنحاء العالم والناشطين والكتاب والمفكرين، كثيراً بين من هم في العالم «الواقعي» ومن هم في عالم «الانترنت»، ولا يميز كثيراً بين من هم في «الإعلام الجديد» والاعلام «القديم»، وفارقاً ضئيلاً للغاية بين «المواطنين الرقميين» و«المهاجرين الرقميين» (مثل عالمكم حقاً). وذلك لأنه عندما تتم مناقشة الإنترنت أو وسائل الإعلام أو التكنولوجيا، فإن هذه الفروق لم تعد لها أي معنى، ويرجع ذلك لأن الإنترنت قد نضجت.

فلنفكر في الأمر، ذلك أن جميع السمات التي نوليها اهتماماً حقا بعيداً عن الانترنت، مثل الاتصالات والمشاركة والمجتمع والموثوقية والتعاطف، تنعكس بصورة متزايدة في تجربتنا على الانترنت. وسوف تكون الشركات التي تنجح في السنوات القادمة هي تلك التي تستفيد من حقيقة أن هناك فارقاً محدوداً بين «الواقع الافتراضي» والحقيقة. لا يريد الناس أن يتخلوا عن إنسانيتهم عندما يلجأون إلى الانترنت. فالإنترنت لم يعد مساحة عامة «افتراضية» حيث لدينا ما يشبه اتصال، إنه فضاء حقيقي عام نتواصل من خلاله.

هل تتذكرون كل تلك الأفلام المخيفة حول كيف أن البشر كانوا في طريقهم لأن يصبحوا آلات في المستقبل؟ حسناً، كما تبين فإن الآلات والمعدات انتهى بها المطاف إلى أنها مكنتنا من أن نكون أكثر إنسانية بدلاً من ذلك.

كانت المقدمة الطويلة التي أفضت إلى هذه اللحظة بمثابة وقت مذهل للتغيير. فقد شهدنا الشبكة العنكبوتية تتطور لكي تلبي جوعنا للتواصل والتجمع. لكن لم يكن الأمر دائماً سهلاً.

وكما أشار الأستاذ والمفكر في وسائل الإعلام الجديدة «كلاي شيركي» أخيراً، فإن التاريخ يظهر أن التغيرات بالطريقة التي نتعامل بها مع المعلومات تصاحبها المقاومة حتماً.

يتابع «شيركي» القول: «كل زيادة في حرية إنشاء أو استهلاك وسائل الاعلام، من الكتب المطبوعة إلى اليوتيوب، تعد بمثابة إنذار للأشخاص الذين اعتادوا على القيود المفروضة من النظام القديم، من خلال إقناعهم بأن وسائل الإعلام الجديدة سوف تجعل الشباب غبياً». فقد كان من المتوقع أن الصحافة المطبوعة، حسبما أشار «شيركي»، ستؤدي إلى «فوضى وتقطع أوصال الحياة الفكرية الأوروبية».

نعم، فإلى جانب زيادة حريتنا تأتي حرية توفير ما يسميه شيركي بـ «المواد عديمة الفائدة». والانترنت ليست بالتأكيد ذلك الوسيط الأخرق الذي ينتج مواد لا قيمة لها. وسوف يستمر هذا بدون شك. لكن هناك الآن شيء آخر تتم إضافته. فقد دخل الانترنت مرحلة المراهقة، فقد كنا نسهر حتى وقت متأخر ونأكل الكثير من الوجبات السريعة ونلعب ألعاب الفيديو ونستمع إلى الموسيقى الصاخبة.

Email