فلول النظام السابق

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الجمل المستخدمة بكثرة حاليا في الدول العربية التي تمكنت الثورات فيها من إزاحة النظم السلطوية، جملة «فلول النظام السابق».

 

وهي تستخدم كدليل على قيام هذه الفلول بقيادة الثورة المضادة في مواجهة الثورة الأصلية. والأمر المهم هو أن الثورات لو تعاملت مع الموالين للنظم السابقة باعتبارهم فلولا فان مواجهتهم لن تكون ناجحة بالقدر الكافي.

 

بالطبع فان كافة الفئات الشعبية تؤيد الثورة خاصة في ظل ما يتكشف يوميا عن قضايا فساد وما ظلوا يعانونه من استبداد وانتهاك للحريات واحتقار للجماهير، ولكن لابد من أن نضع «فلول» النظم السابقة في حجمهم الطبيعي حتى تصبح مواجهتهم ناجحة وناجعة في نفس الوقت.

 

وهذه النظم السابقة ظلت قابضة على السلطة لعقود بلغت في مصر ثلاثة عقود وفي تونس ما يقرب من ربع قرن، ولذلك فهي استطاعت في هذه الفترة أن تبني شبكة مصالح من المستفيدين من النظام،.

 

وهم بالتالي أصبحوا متضررين من رحيل النظام وبالتالي فهم يسعون إلى الحفاظ على مصالحهم من خلال الثورة المضادة التي تريد إقناع فئات الشعب الصامتة بان الأوضاع لن تستقر،.

 

وان النظام السابق كان يحقق مصالحهم، وهؤلاء لديهم أدوات متعددة للقيام بذلك ن منها بالطبع الأموال التي تراكمت عبر عقود والتي يمكن استخدام جزء بسيط فقط منها في تمويل الثورة المضادة.

 

ومن الأدوات المهمة التي لدى «فلول» النظم السابقة المعلومات أن قطاعا مهما منهم يتمثل في فلول جهاز الأمن السياسي، الذي كان يراقب المواطنين وينظم الملفات التي تتعلق بحياتهم وتصرفاتهم وعاداتهم، فضلا عن معرفتهم بالطبيعة الجهوية للمناطق والمكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية والقبيلة في كل منطقة.

 

وبالتالي فإنهم يستطيعون بالفعل تنظيم الثورة المضادة، ومن بين طبيعة النظم السابقة أنها كانت تستعين بالخارجين على القانون في بعض عملياتها القذرة، وهو الأمر الذي بدا واضحا في اشتراك نفس الفئات من بين المكونات الأساسية لــ«فلول» النظم السابقة.

 

وبالتالي فان التعامل مع الوضع الراهن في مرحلة ما بعد نجاح الثورة يتطلب الكثير من الحذر، وان نضع لفلول النظم السابقة وضعهم في وضعهم الطبيعي من دون استخفاف وأيضا من دون مبالغة، ذلك أن هناك سيناريوهات متعددة للأوضاع الراهنة في مقدمتها أن تنجح الثورة في تحقيق أهدافها كاملة.

 

وذلك يتطلب القضاء التام على «فلول» النظام السابق، وان تنتكس الثورة بان ينجح الفلول في أهدافهم المتعلقة بالثورة المضادة، وان تنجح الثورة نجاحا ناقصا وهذا النجاح يكون محصلة الصراع بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة أي فلول النظام السابق.

 

وكل الاحتمالات مفتوحة في المرحلة الراهنة، لان قوى الثورة لم تكن جاهزة ببرامج وخطط لمرحلة ما بعد الثورة تستطيع أن تفرضها وتنفذها، كذلك فان هناك قوى إقليمية وأخرى دولية تلعب أدوارا في تحديد مسار الثورات سواء بدعم الثورة نفسها أو بدعم الثورة المضادة.

 

ومن المهم أن تدرك قوى الثورات أن الأوضاع مازالت في حالة سيولة وبالتالي فان أوضاع الثورة ليست آمنه تماما، وان عملية إعادة بناء دولة ديمقراطية مدنية ليست بالسهولة المتصورة، ولكن هذا الأمر لابد وان يتم بحذر من محاولات فلول النظم السابقة لإجهاض الثورة أو وضع معوقات تحول دون تنفيذ الأهداف الكاملة لها.

 

ولابد في هذا الصدد من التنبة لان كافة الثورات ومنذ الثورة الفرنسية وحتى الوقت الراهن ن لعبت فلول النظم السابقة نفس الدور وان تم ذلك بحالات مختلفة ووفقا لجدول أعمال مختلف، ومن هنا أيضا لابد من أن تدرس القوى الثورية التجارب الثورية المتعددة، وكيف نجحت كل ثورة في التعامل مع «فلول النظام السابق».

Email