إنما الأمم العشاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما كنا أكثر شباباً، كنا نضمّن رسائل الحب، أشعاراً تحكي قصص غرام مشبوبة، مصدرها سوانا، بصراحة، كنا نعيد توجيهها كما لو كنا نحن مصدرها، والعجيب أن محبوباتنا كن يصدقن أنهن المقصودات أساساً.

ولقد رأيت أحدنا يبلغ به الصدق أحياناً، أو ربما يبالغ في تقمص شخصية الشاعر، لدرجة أنه يدخل ديوان نزار قباني (قالت لي السمراء) بحذافيره في مظروف، بعد أن يكتب عليه اسمه بجانب اسم نزار، فيبعث الطرد الأنيق لحبيبته، رسالة غرامية صادرة منه شخصياً، وإليها هي بالذات. وبالفعل، تنجح العملية، وتتباهى (بنت الناس) بما قيل فيها، لا بل تتعرض لحسد رفيقاتها اللائي لا يجدن ولداً (جدعاً) كهذا الذي (جابها من قصيرها).

ماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن مشاعر الغرام والتعبير عنها، إنما هي منتج (مستدام) قابل للتدوير، ما دام البشر جميعاً يخوضون تجربة الحب بالرعشات ذاتها والأحلام الملتهبة والأوهام الجميلة، والثابت دائماً، هو أن الحب شعور لا يعوض، ومن يخسره يخسر بصمة حياته. والمؤكد كذلك، هو أن الشعر رديف الحب، ورغم أن الشعراء قد عالجوا قضايا أخرى بالقصيدة، كالحماسة والفخر، إلا أن الشعر لم يكن لازماً لكل تلك التجارب الشعورية، كما هو ملازم للحب.

فلا حب بلا شعر.

ولا يوجد عاشق بلا لوعة تقال، ولا معشوق بلا حديث حلو وحار يتزلف به محبه، وكليمات التقرب هذه هي عين الشعر، حتى وإن لم تأت في قالب موزون ومقفى.

الآن، سأنعى الحب، إذ يتعين علينا نعي الشعر، والذين يجزمون بأن زمان الشعر قد ولى، لا بد أنهم يلحقون به الحب والعاشقين، ولا يستبقون إلا قساة القلوب. إنما الأمم الشعراء ما عشقوا، فإن همُ ذهبت شعراؤهم ذهبوا.

Email