تفاصيل بلا شيطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسرق اللحظة منا التفاصيل، كذلك هي التفاصيل، تسرق اللحظة، ولا أدري أيهما أهم، الوقت أم الانغماس في التفاصيل؟ «وإن كان الشيطان يسكنها» كما يقولون.

في مكان يعج بالمارة، أجد جدارية تكاد تنطق حكمة، المكان لا يسمح بالوقوف لحظة للتأمل، ففي مطار «بانكوك» العامر لا يمكنك التقاط أنفاسك لحظة، وإلا فاتك دورك وعلقت في الزحام، وإن أسلمت نفسك لفكرة الطابور، لن تنعم بالجمال الممدد من زهور الأوركيد الطبيعية المنسقة بشكل يجعل الجدار يبدو وكأنه لفظها في جملة شعرية.

في شوارع المدينة المكتظة وذاك الرصيف المتأرجح صعوداً وهبوطاً، وجوه عابرة كثيرة، إن تأملتها فاتتك الخطوة وتعثرت، وإن راقبت خطواتك فقدت العديد من التفاصيل فيها كمشهد ليدين ووجه أنهكتهما التجاعيد لامرأة تبيع ما تيسر من حديقة منزلها.

لا تأسرني هذه المدينة بحد ذاتها، بل التفاصيل بكل ما فيها في أي زاوية كانت، لكن اللحظة لا تنتظر أبداً، ولاأزال لا أدرك لماذا بتنا جميعاً نركض بلا هوادة وكأننا في سباق لا خط نهاية له، متى ينتهي هذا التعب، ويتوقف هذا اللهاث غير المبرر في أغلبه؟ متى تنتظرنا الأشياء قليلا، قليلا فقط لعلها بكرمها تمنحنا فرصة للتأمل فيما حولنا، أو تعيدنا للحظات أكثر جمالاً، وتوقف الصراخ الكامن في عقولنا وبكاء الروح على ذكريات اجتازتنا ولا نزال نجترها؟

أفلاطون قبل أن يعيش في زماننا المنسل من بين أصابعنا سرعة وجنوناً قال: «الحياة التي لا ننظر إليها نظرة تدقيق لا نستحق أن نعيشها» وها نحن نعيش غير مكترثين إلا بالوقت، متناسين دهشة التفاصيل وروعتها ونتعلل بما يسكنها، غير أن الشيطان لا يسكن إلا في التفاصيل التي نقحمه نحن فيها.

Email