كان جنرالاً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا في زيارة رسمية، قابلنا فيها الرئيس الأميركي أوباما في البيت الأبيض، وعبر سلسلة لقاءات في الكونغرس، أمضينا أسبوعاً مهماً في واشنطن.

والعودة من واشنطن إلى عّمان تمر عبر هيثرو لندن، والطائرة في مطار دالاس الأميركي، لا تتحرك، مثل صنم، جراء هطول الثلج بغزارة، ونحن في الطائرة، ننتظر فرج الله، وحولنا مضخات السوائل ُتغرق الطائرة على مدى ساعتين بالسوائل، حتى لا يتجمع الثلج ولا يتجمد، وأفقد أعصابي، خوفاً من عدم اللحوق بالطائرة البريطانية التي سنطير معها من لندن إلى عمّان، جراء التأخير في واشنطن.

إلى يساري إيراني أميركي، يتبّسم بمكر، كلما أتمتم غاضباً، مثل أي عربي، فيكسر حدتي، ويقول أترى مطار دالاس هذا، لقد اشتغل أبي فيه سائق تاكسي، قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وقد كان في الأساس جنرالاً، ومرافقاً عسكرياً لشاه إيران، وحين حدث الانقلاب، هرب مشياً على الأقدام إلى تركيا من إيران، ومن هناك، حصل على تأشيرة لأميركا، وحين وصل في سنينه الأولى، عمل سائق تاكسي ينقل الواصلين إلى هذا المطار، كان جنرالاً، فخسر كل شيء، المال والنفوذ وثروة كبيرة جداً، وأنت يا هذا غاضب على خسارة محتملة لرحلة من لندن إلى عّمان....اهدأ وتذكر خسائر غيرك.

سكت مجبراً، وأمضيت الوقت وأنا أقرأ تجاعيد وجهه، وما وراء الوجه من حكايات دفنها الزمن في ثناياه، والكلام يجر كلاماً، بعد أن أقلعت الرحلة أخيراً بشكل مرعب.

كلما أسمع عن خسارة إنسان، أتبّسم بمرارة، لأن الخسائر في الحياة كبيرة بالنسبة لأصحابها، وتافهة بالنسبة لغيرهم، والذي يتألم على خسارة وظيفة بسيطة، يشكو مثل الذي خسر مليوناً من الدولارات، فهذا هو الإنسان، يأبى الرضا دوماً!.

حتى ترضى، استبصر نفسك في قدر غيرك، وتأمل ببصيرتك، عدل الله فيك!.

Email