معنى الاستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحكى أن جزيرة امتلأت بالغابات، واحتوت صنوف الحيوان والطير، وفجأة حلّ فيها رجلان، ابتنيا لنفسيهما كوخاً هنالك، وبدآ العمل للحياة.

أحدهما كان عالي الهمة، شاء أن يختصر الزمان ليبلغ حلماً، وأما الآخر فيعمل بلا لهفة، ولذلك ظل يعارض حماسة صاحبه نحو استغلال كل موارد الجزيرة، في أقصر مدة، مخافة أن يدركهما الآخرون.

قال: هذه أصلاً أرض حيوانات ونباتات سبقتنا إلى هنا، وما نحن إلا ضيوف، لذا فلنأخذ بالمعروف ولنترك فرصاً لغيرنا.

كلام بدا لصديقه مثبطاً، ومعرقلاً للتطور، فهل يقتله؟. تأبط الفتى رأياً وخرج. وفي جزيرة مجاورة، شرع في بناء مستعمرة تخصه. أراد أن يري صديقه في سنين، معنى العزم.

أوقد في الغابة، ليتسع الحرث، وليطرد الحشرات ويحصد العسل. حفر آباراً عديدة، ليسقي السهل الممتد، مسخراً الحيوانات، وهكذا ازدهر المكان ببذور كان يستبدلها بأنواع الغزلان والحرير والبهار.

وبالفعل في سنوات، رأيت الجزيرة كانت تنوء بالسنابل والسلع. العابرون يبتاعون صنوفاً عجّلت بثراء الرجل، وبزواجه من خطيبة صديقه التي طال انتظارها.

عاد بالجميلة وولده السعيد إلى قصور مترفة، وفي الجانب الآخر لم يستطع صاحبنا العودة لوطنه إلا بعد سنين، ليتزوج ببساطة، ويرجع إلى ثروته الأقل.

يمضي الزمان، ويموت الصديقان، الأولاد يكبرون، ليرث نسل الرجل الطيب جزيرة هانئة، بينما نضبت مياه الجزيرة المتحمسة، هربت الفراشات من هناك، ولا خيار سوى اللجوء إلى حيث الحياة شركة فطرية بين الجميع.

تلك هي الاستدامة، لا تعني طلب الثبات للأبد، وإنما تمنع الاندثار الناجم عن استنزاف الموارد، عبر المسؤولية وضمان أسباب التجدد، من أجل المحافظة على الحياة. فالإنسان، رغم حقيقة الموت الماثلة، مستمر في هذا الكوكب ومتنامٍ، لأنه يتجدد، ويبتكر..

Email