روائح الأيام العتيقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشم الحياة

أشياءُ كثيرةٌ تمكثُ في البالِ، وترافقُ العمرَ حتى النهايات، وأكثرها تشبُّثاً بالذات، تلك الروائح الأصيلة، العابقة دائماً بلا تعبٍ، في فضاءِ الذكريات.

رائحةُ الطينِ في البيوتِ العتيقةِ، وأخشابِ سقوفِها البنّية.

عبقُ الترابِ في فضاءِ القريةِ بعد الشتوةِ الأولى.

نسائمُ الأمِ منذُ الولادةِ حتى الرحيل.

البرد وهو يخطف الأنفاس الصغيرة على درب المدرسة، وحاسة الشم التي تألف الكتب المدرسية الطالعة قبل أيام من المطبعة.

روائحُ الحنطةِ سائرةً من الحقلِ إلى الطحينِ، والعجينِ، وبيتِ النار.

فرحُ الكلمنتين المدلّلِ داخل كنزاتِنا في غزواتِ الشتاء.

لسعةُ البرتقالِ »اليافاوي« القادمِ من سواحلِ فلسطين، و»الفالنسي« المرتحلِ إلينا من بلادِ الأندلس.

تناقضُ الرائحةِ بين أحمرِ التفاحِ وأصفرِهِ في هدايا الأبِ من المدينة.

حلاوةُ العنبِ الجارحةِ، في آخر أيامِهِ بين أيلول وتشرين الأول.

التينُ العسليُّ، ولقاءُ السكرِ والملحِ وبهاراتِ طريقِ الحرير.

ذوبانُ البوظةِ على الشفاهِ الصغيرةِ، وعبقُ الفانيليا العالقِ حتى المساء.

أبخرةُ البنِ والشايِ المتصاعدةِ على إيقاعِ حرارةِ الجمر.

عطرُ اللقاءِ مع الحبيبةِ الأولى.

دخانُ ذلك النباتِ البرّي ذي الرائحةِ الصارخةِ قرب أضرحةِ الغائبين.

عَبَرات وعِبَر

هذا الجمالُ يُشبهُ ابتسامةَ البُكاءِ.

لا تخدشوا الوردةَ، سيأتي يومٌ تغدو فيهِ شوكةً فاتنة.

غالباً ما أتأمّلُ في الحدثِ الجلل، أدعُهُ يعبّر عن ذاته، وأصمت، ليكتملِ صفاءُ الصورة.

Email