مفارقة الحصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يظن البعض أن في العنوان خطأ مطبعيا، فالكثيرون يعرفون اللاعب عصام الحَضري، أكثر مما يعرفون المقرئ القدير الشيخ محمود خليل الحُصري، رحمه الله.

لكنني أحد الذين تعلقوا بالشيخ الحصري منذ الطفولة، حين كان من أشهر القراء في الإذاعات العربية التي كان معظمها يبدأ إرساله ويختتمه بتلاوة من القرآن الكريم بصوت الشيخ الحصري، عندما كانت مدة الإرسال محدودة، وليست على مدار الساعة كما هي الآن، ولم تكن هنالك إذاعات وقنوات أرضية وفضائية مخصصة للقرآن.

وقد اعتدتُ بين حين وآخر أن أستمع إلى تلاوة القرآن من إحدى الإذاعات أو القنوات، عندما أشعر بارتفاع حاد في ضغط المدّ المادي المستشري، أو انخفاض شديد في مستوى المناعة الروحية، أو أصاب بنوبة أرَق، خاصة بعد أن لم تعد صلتي بالقرآن .

كما كان يرجو والدي، رحمه الله وجزاه عني خيرا، وهو الذي أصر على عدم دخولي المدرسة حتى حفظت القرآن كاملا عن ظهر قلب، لكنني مقصّر في الحفاظ على هذا الكنز الثمين، لوﻻ فضل من الله ورحمة.

والمفارقة أني عبثا أحاول، كلما بحثت عن صوت الشيخ الحصري، ذلك الصوت الرخيم الهادئ المَهيب، الذي يعطي الحروف حقها ويؤدي أحكام التجويد بإتقان، دون انفعال أو افتعال ودون نفَس متقطع أو جهد مضنٍ، بل يشعرك بالسكينة والطمأنينة ويهيئك للإنصات والخشوع امتثاﻻ لقول الله تعالى: «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون»..

 لكن ﻻ أثر للحصري، رغم تعدد، بل كثرة الإذاعات والقنوات الرسمية والخاصة، المتخصصة في بث التلاوة بمختلف الأصوات وللقراء المعروفين وغير المعروفين، وعلى مدار الساعة، وكأن الشيخ الحصري ﻻ يستحق أن يكون مجرد واحد من هؤﻻء!

فهل سقط الحُصري سهوا؟ أم أن صوته أصابته «المقاطعة» التي لم تعد تصيب إﻻ ما يجب التمسك به والحرص عليه؟!

Email