هروب باسم شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يبدو في العنوان بعض التشفّي بـ«هروب» كاتب مرموق، وربما الحسد أو الغيرة، والاثنان (الغيرة والحسد) يتقاطعان في نقطة ما، قبل أن يدير كل منهما ظهره للآخر في اتجاهين لا يلتقيان. فالحسد مِعول هدم وتدمير لصاحبه قبل سواه، بينما الغيرة قد تحفز وتشحذ العزيمة للوصول إلى ما يستثير الغيرة ويستحق الإعجاب.

أعرف الدكتور باسم شاهين، منذ سنوات عديدة، صحافياً ومترجماً وباحثاً وكاتب رأي محنك، لكني فوجئت به روائياً مع صدور روايته «الأولى».

ولم تكن المفاجأة في أن يُصدر مثله رواية تستحق صِفتَها، لكن المفاجأة كانت في مستوى الرواية التي يبدو أنها اختمرت وتعتّقت في ذهنه طويلاً، قبل أن يسمح لها بملاقاة القراء بهذا المستوى الذي يضاهي أعمال كبار الروائيين المتمرسين، ولهذا قيدت صفة «الأولى».

فهي قطعاً لا تشبه البدايات، من حيث رشاقة الأسلوب والمقدرة اللغوية وعمق التناول، والقدرة على سبر أغوار النفس البشرية في مختلف أطوارها، وبكل أبعادها وخَلَجاتها النفسية والعاطفية.

لقد استطاعت رواية «هروب» أن تغوص في أعماق كل منّا وتشرّحه نفسياً ووجدانياً، من خلال معالجة ظاهرة الاغتراب، التي لم تعد قاصرة على مفهوم الخروج من الوطن الأم إلى موطن، أو مَواطن أخرى، فالاغتراب بات حالة بشرية لا تكاد تستثني أحداً.

حتى في وطنه وبين ذويه ومعارفه، بل ومع نفسه فلا يكاد يعرفها ولا هي تعرفه، فيظل في حالة «هروب» دائم! لذلك لم يكن «عزت»، بطل الرواية، إلا أنا وأنت ونحن وهم، فالجميع في حالة اغتراب وهروب، من دون أن يعرفوا لماذا؟ وإلى أين؟

 وهذا ما أعطى الرواية قيمة إنسانية جديرة بأن تضعها في مصاف الأعمال الروائية المتميزة.

قد يؤخذ على الرواية أن بطلها «عزت» انتهى نهاية درامية تشاؤمية، لكن الواقع أكثر واقعية من أن يستحق عناء محاولة تغليفه بغُلالة تفاؤل زائف.

Email