لماذا بكى مرتين؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت شاهد عيان، والقصة قبل عشر سنين، في عاصمة عربية، والساعة تقترب من العاشرة ليلاً، والجو ممطر، وإلى جانبي ثري جاء من مغتربه.

قبلها كتبت عن عائلة أيتام تعيش ظرفاً قاسياً في غرفة بائسة، بلا دخل.. وجوه الأيتام مشرقة من الجمال، والثري قرأ حكايتهم وهو على متن الطائرة مسافراً، فقرر المجيء إلى تلك العاصمة، لأنها بلده أولاً، ولزيارة الأيتام أيضاً، لعله يساعدهم، فاصطحبته، وذهبنا في تلك الليلة الماطرة، لم يسألني إلى أين نذهب، كلما اقتربنا كان يشتد صمته، حتى وقفنا عند بوابة غرفة الأيتام التي لا تليق بالبشر؟!

وقف لحظات، انهمرت دموعه بشدة. السماء تمطر.. الرجل يبكي، ولم أعرف لحظتها ماذا أقول، فالدمع والغيث ينهمران معاً، وأنا لا أعرف لماذا يبكي الرجل الثري بهذه الطريقة، ويسألني مثنى وثلاث إذا كنت متأكداً أنهم يسكنون هنا، وأنا أؤكد الإجابة ذاتها؟!

قال بأسى بالغ: قد لا تصدق أنني قبل خمسين عاماً كنت يتيماً، وكنت أسكن وأخواتي وإخواني في الغرفة ذاتها، وعمي يتسلط علينا بالضرب والإهانة، فوق الجوع، وأتبادل الأحذية الممزقة واللباس الرث مع أشقائي، كنت في الغرفة أبكي الليلة تلو الليلة، كنت في الغرفة ذاتها التي تأخذني إليها الليلة!

بكي الرجل، مثل طفل، وليلتها أكرم الأطفال بأنفعال وعطف بشراء بيت لهم، وقام بتعليمهم جميعاً، حتى تخرجوا في الجامعات، وآخرهم على مشارف الجامعة.

ليلتها سألني: لماذا أعادني الله إلى هنا؟ تذكير هذا أم تحذير؟! فقد كنت يتيماً بائساً، وأكرمني الله بثراء كبير، ولا أرى في هذه المصادفة الغريبة إلا تذكيراً لي بسابق عهدي، لأن الشطط في حياتي أطل في سنيني الأخيرة، وابتعدت في أفعالي عما يرضي الله قليلا، وكأن الله يريد تذكيري بسابق عهدي حتى أتوقف!

والعبرة لافتة..فقد بكى في حياته مرتين، واكرمه الله ايضاً مرتين!.

Email