ملكة لا تغيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر الرموز بصمة في الذاكرة العربية، تلك التي نزلت إلى الناس، ولم تجبرهم على الصعود إليها، توسدت هموم الفقراء والأيتام والمساكين، وهذه رموز عربية لا تغيب، والذاكرة تفيض برموز وأسماء تكرست لشجاعة، أو لبناء فريد أبدعته، أو لقصيدة أو رسم جميل، لكن الرموز الانسانية بقيت الأكثر إثارة للشغف، وللتعلق وتتبع الخطى، فلا شيء في الدنيا مثل مسح الغبار عن رداء اليتيم، والحزن عن وجه المسكينة، ورفع الظلم من عيني طفل نام، وأبى الحزن فيه إلا أن يبقى نازلا في عينيه.

لهذه الأسباب، مثلاً، يذكر الناس دوماً في المشرق العربي، ملكة اردنية عربية هي الملكة علياء «أم علي»، التي رحلت بحادثة طائرة هليكوبتر في جنوب الأردن، بعد أن لبت استغاثة أهل مدينة الطفيلة الجنوبية للاطلاع على واقع مشفاهم البائس، فلم تتأخر، وكان قدرها في العودة أن يعاند الجو، الطائرة، فترحل عام 1977 وتبقى روحها.

مناسبة الكلام أن كثرة تلحظ في بيوت الأردن بعد كل هذه السنين، في وسطه وشماله وجنوبه، ان صورتها بارزة معلقة على الجدران، ولكل واحد من الناس معها حكاية، والمشارقة كما المغاربة لا يخونون الذكرى، ولاتخونهم الذاكرة ايضاً.

علياء الراحلة، لم تكن متعالية، إذ كانت مع الناس، وعرفت سر اليمنى، ولم يكن أحب إلى الملكة من لقب «أم علي»، وهذا هو اسم تكية خيرية في الأردن تأسست لاحقاً، والإنسانية في الراحلة سمة طبيعية لم تكن مفتعلة، طبيعية بسبب التكوين والإحساس الإنساني، وهي تكوينات أورثتها، وكانت سر محبة الناس لها، فالناس هنا لا ينسون أبداً من نزل إلى بساطهم، في مضارب العرب.

يقال هذا الكلام حتى نتذكر أن فعل الخير لا يتبدد، فالله يجازي عليه، والناس لا تنساه، وهو فعل يتفرد بكون مردوده دنيوياً وأخروياً، وكل رمز سياسي او اجتماعي او اقتصادي في الدنيا له صلة بالناس، ويتسم بالانسنة، تحميه الذاكرة فوق نورانية الاسم سماوياً.

Email