جيوش من عَجَب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتباهى دول العالم الثالث بالإنفاق على «جيوشها» واقتناء الأسلحة بأنواعها، وهي الأكثر بذخاً وتبذيراً مقارنة بمستوى الدخل والناتج الإجمالي الوطني.

وكان الظن أن هذه الجيوش مهيأة وقادرة على التصدي لأي خطر يهدد الوطن ومكتسباته، سواء كان التهديد داخلياً أو غزواً من الخارج، فمظاهر الأبهة والنياشين البراقة، والميزانيات الضخمة على حساب المواطن العادي والمشاريع التنموية، تجعل التوقعات كبيرة والآمال غير محدودة بأن أمن الوطن ومواطنيه يحظى بالحماية والرعاية من كل المخاطر والتهديدات.

لكن «رب ضارة نافعة»، فقد كشفت تطورات «الربيع الكاذب» في الدول العربية، وما يشهده العديد من الدول الأخرى في القارتين الإفريقية والآسيوية، أن تلك الجيوش ما هي إلا «جيوش من عَجَب» أو «هياكل من خشب»! فقد سقطت في أول امتحان، وانهارت تحت أقل ضغط، وتحولت «المارشات» العسكرية الطنانة إلى مجرد رقصات مترنحة كالطائر المذبوح.

العيب ليس في الجندية ذاتها، فالجندية الحقّة كانت وستبقى رمزاً للنبل والتضحية والفداء، لكن المشكلة في غياب العقيدة العسكرية، وامتهان الفساد والمحسوبية في قواعد الاكتتاب وأسس الترقيات، وفي صفقات الأسلحة الفاسدة منتهية الصلاحية، فتحولت الجيوش «النظامية» إلى هياكل عظمية أو خشبية، والأسلحة إلى ركام معدني، إن لم تصبح غنائم في أيدي العصابات والمتمردين.

وهكذا باتت الميليشيات ووكالات تأجير المرتزقة ومجموعات اللصوص والجريمة المنظمة، هي الفاعلة على الأرض والقادرة على الحسم في المعارك والصراعات، بل وعلى توسيع ميادين معاركها ومجالات سيطرتها.

كل جيش معرض لنكسة أو انكسار، لكن سقوط جيش نظامي عند أول طلقة يعني أنه لم يتم إعداده وتهيئته ليكون نظامياً بالفعل، وأنه افتقد القيادة والإرادة والروح المعنوية للمقاومة وخوض المعارك.. فالذنب ذنب القيادات وغياب العقيدة وانحراف الأهداف، وبذلك خسرت الجيوش وضاعت الأوطان.

Email