«الأقصى».. أشد إقصاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل 45 عاماً، حين أقدم صهيوني متعصب على محاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969، لم نكن في سن تسمح لنا باستيعاب الأبعاد السياسية والأهداف الاستراتيجية الصهيونية، وراء هذه الجريمة النكراء بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية، ولم نكن ندرك حتى الأبعاد الدينية الكاملة لهذه الفعلة الشنيعة.

لكننا رأينا كيف تحول الحي والبلدة كلها إلى مناحة، جعلتنا نظن للوهلة الأولى أن سببها وفاة أحد أعيان البلدة، وربما ما هو أكبر من ذلك. يومها لم تكن الفضائيات موجودة، وحتى التلفزيون العادي لم يكن قد وصل إلى تلك البلدة المسترخية في أحضان الريف الموريتاني! وكان المصدر الرئيسي للأخبار (وربما الوحيد)، هو الراديو (المذياع).

وشيئاً فشيئاً، ومع اتساع دائرة الغضب والحزن، بدأنا نعي أن أمراً جلَلاً قد حدث، وأن قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيهم المصطفى، كان هو المستهدف من هذه الجريمة، التي ارتكبها من حاول أسلافهم من قبلُ اغتيال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم (وما زال الغدر والاغتيال دَيدَنهم).

حينها لم تستطع المسافات الشاسعة، بين تلك البلدة النائية في أقاصي المغرب العربي وبين فلسطين، أن تبعد الأقصى وفلسطين كلها عن قلوبنا وأفئدتنا، بل كانت أقرب إلينا من بيوت الجيران القريبين منا، والذين هم أهل وأقارب من أصول واحدة ومنابت مشتركة.

أما اليوم وقد أصبحت الفضائيات أكثر من الهم على القلب، والتواصل الإلكتروني في أوج انتشاره، والعالم كله أشبه بالقرية الواحدة، فقد صار الأقصى »قَصِياً« بالفعل عن اهتماماتنا، وربما عن مشاعرنا وعواطفنا، وها هي ذكرى إحراقه المتعمد تمر وكأنه حادث عادي عابر، جرى في أحد الكويكبات القابعة خارج مجموعتنا الشمسية! لكن المسافات نسبية، وحين تبتعد الأمة عن ذاتها وعن هويتها، فكل مُهم مَقصِي ومَنسِي.

Email