آخر الثيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الحكايات الشهيرة في تراثنا العربي، حكاية الثيران الثلاثة التي ألّفها، أو عرّبها، ابن المقفع (106-142هـ) ضمن كتاب »كليلة ودمنة«، ومن لم يقرأ تفاصيل القصة ربما ردد أو سمع من يردد »أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض«. ويبدو أن النظام السياسي العربي ما زال محكوماً بعقلية الثور الأخير، الذي أوقع برفيقيه عند سيد الغابة، قبل أن يصبح هو الضحية بعد أن بات وحيداً دون سند أو معين.

اغتصبت فلسطين، واستبيح لبنان، وقسم العراق، وتتعرض سوريا للتفكك، ومزقت ليبيا، ودخل اليمن دوامة العنف والشقاق، وانقسم السودان، واختفى الصومال أو كاد، وما زالت مصر وتونس مهددتين من أطراف وجهات متعددة، والحبل على الجرار.. ومن سلم من الداخل، يواجه أزمات الجوار وصراعاته، فضلاً عن الأصابع الإقليمية والدولية التي دأبت على العبث في المنطقة العربية.

وها هم الداعشيون والمندعشون، يكملون حلقة النيران والرعب الهمجي، ويعيثون فساداً ونهباً وتقتيلاً، رغم »نجاحهم« في إلغاء بعض الحدود المصطنعة، التي عجزت أنظمة »السيادة المزعومة« عن إلغائها، أو مجرد تخفيف إجراءات العبور من خلالها لأصحاب المصالح وتبادل المنافع، أو حتى للتواصل بين الأهل والأقارب على جانبي الحدود!

لذلك فإن الاجتماع الأخير لوزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يكتسب أهمية خاصة بإعلانه قرب زوال الغيمة التي اعترت أجواءه، وبتغليب صوت الحكمة والتعقل لتعود اللحمة بين الأشقاء، ولقطع الطريق على العابثين والمتربصين بأمن المنطقة واستقرارها.

لقد تهشم النظام السياسي العربي وتآكلت أركانه، بفعل زمهرير الشتاء الماحق الذي سماه البعض تزويراً وتمويهاً باسم »الربيع العربي«، ولم يعد للعرب ملجأ سوى المنظومة الخليجية التي ما زالت خارج دائرة النيران، رغم محاولات الظلاميين ودسائس المتجبّرين، الذين يريدون لمن بقي منا أن يكون آخر الثيران.

Email