الحرام عيبٌ

ت + ت - الحجم الطبيعي

علمونا أن السرقة عيب، وكذلك الزنا وشرب الخمر، ولم يقولوا لنا حرام، لأن الحرام عندهم عيب يجعلك في مرتبة دنيا من المجتمع.. وقالوا لنا إن البخل والنميمة وسيرة الناس منقصة اجتنبوها، ولم يقولوا إن ذلك من الدين، لأن الدين عندهم حياة.. أخبرونا أن نقف احتراماً للكبير وأن نعطف على الصغير، فتلك من صفات الإنسان الكامل، والدين عندهم كمال لا تكميل.

هؤلاء أهلنا، بسطاء متدينون بطبعهم، يأكلون من الطعام أخشنه ويشربون عليه ماء قراحاً لم يعرف الثلج والثلاجات له طريقاً، من ثم يتجشأون ويحمدون الله ثلاثاً.. وإذا ضحكوا يستغفرون ويسألون ربهم الغفران.

لم يحدثونا عن الجنة والنار إلا لماماً، لكنهم حدثونا كثيراً عن مكارم الأخلاق، وعن ضرورة اجتناب المناقص.. هكذا كان الدين في دنيانا مقروناً بالطبع والطبيعة، لم يعرف الزيف ولا التلوين، ولم تمازجه السياسة فتخلطه بمياهها الآسنة.. نقي كقلوبهم، صادق كفعلهم، ليس فيه مغالاة ولا تشدد، بسيط ينسرب فيك بين المسام، لا يقاس بطول لحية ولا ببغضك للآخر.

دين تحسه في كل شيء؛ في لقاء الناس بعضهم بعضاً، وفي تعاملاتهم التجارية، وفي تجمعاتهم اليومية، غير أنك لا تراه.. تدين يحدثك هو ولا يحدثونك عنه، عندما يحصدون محصولاتهم يخرجون عن رضا كامل "عشر الفقراء"، هكذا يسمونه، والفقير حينها هو الحافظ لكتاب الله، لا ذاك الذي لا يجد ما يأكله، لأن في بلادنا الجميع كان يأكل.

"صلِّ على الحبيب" و"العن إبليس"، عبارتان كافيتان عندهم لفض أعتى خلاف ونزع الغضب من النفوس، وخط أحمر لا يمكن أن يتعداه أحد أو يعتدي عليه. هذا هو الدين الذى عليه تربينا وفيه نشأنا ومنه نهلنا.. شتان بينه ودين "فتاوى القنوات"، وتقديس الاغتيالات، والدعوة للمؤامرات والتفجيرات.

Email