«كل إناء بما فيه»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأمثال خلاصة تجارب الشعوب على مدى أجيال متعاقبة، وما ترسخ منها عبر القرون، لم يزده العلم الحديث إلا تأكيدا. وللأمثال مكانة مكينة في الثقافة العربية، ماضيا وحاضرا، لما فيها من المعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية، ولتأثيرها البالغ في النفوس والوجدان الجمعي العربي.

ومن الأقوال المأثورة، والأثيرة عربياً، القول المشهور: "كل إناء بما فيه ينضح" (أو يرشح)، وقد أدخله الكثير من الشعراء في أشعارهم، ويقال إن أول من نظمه شعرا هو أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد التميمي الملقب شهاب الدين والمعروف بـ"حيص بيص"، المتوفى سنة 574هـ، بقوله:

ملَكنا فكان العفو منا سَجِية

فلما ملكتم سال بالدم أبطُح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعِفُّ ونَصفَح

فحسبكم هذا التفاوت بينـنا

وكل إنـاء بالـذي فيـه ينــضح

 

وهذا قريب من معنى المثل الآخر "فاقد الشيء لا يعطيه"،

لذلك ليس من المنطق توقع الكرم من بخيل ولا الشجاعة من جبانٍ، ولا معنى لانتظار الحكمة ممن يتصف بالتهور في أقواله وتصرفاته، فـ"كل إناء بما فيه ينضح".

وبقدر ما ينطبق ذلك على الأفراد، فإنه قد يطبع مواقف بعض الدول والمجتمعات، لكن الخطر هنا يكون فادحا والضرر كبيرا. فالفرد مهما علا شأنه، يظل تصرفه محصورا في محيطه الضيق ونطاقه المحدود، أما سياسات الدول ومواقف الشعوب فيمتد تأثيرها عميقا، ليشمل كل من تربطه بها علاقة أو تجمعه معها مصالح أو صلات مشتركة، وقد تمتد هذه الآثار السلبية زمنيا فتؤثر على أجيال متعددة، فضلاً عن تأثيرها على المتسبب فيها، وأكثر من غيره في الغالب.

فلماذا لا يحرص الجميع، أفرادا ودولا، على ألا يضعوا في أوانيهم إلا الخير، حتى لا ينضحوا الشر على غيرهم.. ثم يرتد عليهم!

 

Email