جيل يستحق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يغير الزمن مساراته باستمرار، ويعدل سرعاته كلما تغير، فما كان يحدث خلال مئة سنة أو أكثر، قد يشهد العالم اليوم أضعافه في بضعة أعوام..

لكن معظم من بلغوا سن الكهولة أو تجاوزوها (وأنا منهم)، كانوا يعتقدون، وما زال بعضهم، أنهم وحدهم أصحاب الحق والحقيقة، وأن أفهامهم (أو أوهامهم) كافية لفهم الأحداث واحتكار المعرفة، غير أن ربيع الشباب العربي أيقظهم من سباتهم على حقيقة طالما جهلوها أو تجاهلوها.

فقد أظهر هؤلاء الشباب، فتيانا وفتيات، أنهم أكثر جرأة وقدرة على فهم واقع عصرهم، وعلى تغيير هذا الواقع وبسرعة فاجأت الجميع، بما في ذلك أجهزة الرصد والتحليل المؤسسية..

لا يقتصر الأمر على النشاط السياسي والحراك المجتمعي، وإنما يشمل مجالات الإبداع والابتكار، وسرعة الفهم والاستيعاب..

بالتأكيد، لا يعني ذلك إلغاء دور الخبرة والتجربة، أو أن الشباب مبرؤون من الأخطاء، بل والخطايا أحيانا، وقد ارتكبوا أخطاء وما زالوا، وقد استغل البعض تلك الأخطاء ووظفها لمصالحه وأجنداته الخاصة، لكن الشباب أسرع إلى تلافي أخطائهم واستيعاب دروسها.. وأهم تلك الدروس ضرورة تلاقي الأجيال، وتكامل الخبرة والإبداع..

القادة المميزون الناجحون هم الذين يتلقفون هذه الحقيقة، ويهيئون الظروف لتوظيفها إيجابيا في البناء والإنماء، لا في الهدم والإفقار، ودبي نموذج ناصع لهذا التوظيف الذكي لجيل الشباب، وإعطائهم الفرصة الكاملة للإبداع، ومنحهم الثقة التي يستحقونها.

فلكل عصر لغته ومنطقه ووسائله التي تلائمه وتناسبه، ومن يحاول مسابقة الزمن الفضائي بالبراذين والبغال، أو حتى بالخيل العِتاق، فليُرِح نفسه وليكمل نومه.. وهذا ينطبق على الدول والمجتمعات، بقدر ما ينطبق على الأفراد والأجيال.

Email