الديمقراطية ومهامها الحيوية

خافيير سولانا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال الديمقراطية الليبرالية على قيد الحياة، لكنها تُـظـهِـر بوادر ضعف واضحة، فوفقاً لمؤسسة فريدوم هاوس، شهد العالم خمس عشرة سنة متتالية من الارتداد عن الديمقراطية على مستوى العالم. وأظن أننا بحاجة هنا لبعض التوضيحات بالشان، كي يكون مفهومها ودورها واضحاً وفاعلاً، إذ لا يجوز لنا في الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها نظاماً سياسياً أخلاقياً وعادلاً وعملياً أن نُـعَـرِّف البيئة الدولية على أنها مجرد صدام بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، ففي كل الأحوال، لا حرج في أن تلتقي البلدان التي تطبق أنظمة سياسية مختلفة لمعالجة مشكلات عالمية ملموسة، المهم في الأمر أن تساهم هذه التجمعات في حلها.

أصبحت الحاجة إلى إدارة عالمية فَـعّـالة أشد إلحاحاً من أي وقت مضى في عالم اليوم الخطير الذي لا يمكن التنبؤ بأحداثه، بالإضافة إلى التهديد النووي الذي نشأ في القرن الماضي، يتعين علينا الآن مواجهة تحديات مثل الهجمات السيبرانية (الإلكترونية)، واستخدام الهجرة كسلاح، والاستثمار المتزايد في التكنولوجيات العسكرية، والاحتمالات الخبيثة الكامنة في الذكاء الاصطناعي.

وعلى هذا فإن تقسيم العالم إلى معسكرين متعارضين إيديولوجياً، كما يحدث في قمم ومبادرات كثيرة، ينطوي عل مخاطر جيوسياسية جسيمة، فقد يمتد الانقسام بين الدول الحرة والأنظمة الاستبدادية إلى المنظمات الدولية الأساسية التي تشكل ضرورة أساسية لحل أو إدارة المشكلات العالمية.

من المؤكد أن تسوية النزاعات تُـعَـد ضرورة بالغة الأهمية إذا كنا راغبين في تجنب العواقب الوخيمة المترتبة على الانفصال الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، كان بناء النظام المتعدد الأطراف بعد الحرب العالمية الثانية إنجازاً تاريخياً، لكن مؤسساته تفتقر إلى الأدوات اللازمة للتعامل مع عالَـم متزايد الترابط والتعقيد والديناميكية.

أبرزت أزمة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد19) هذه الحقيقة بوضوح، لم تكن البشرية مستعدة لمكافحة الجائحة.

ولهذا، بدلاً من التأكيد على خلافاتها الإيديولوجية مع بلدان أخرى، ينبغي للدول الديمقراطية أن تدرك بدلاً من ذلك مسؤولياتها تجاه ذاتها والعالم، على وجه الخصوص، يتعين عليها أن تعالج مهمتين حاسمتين طال انتظارهما من أجل إحياء شرعيتها المحلية والدولية.

تتمثل المهمة الأول في الحد من أوجه التفاوت الاقتصادية المحلية، لقد أثبتت الديمقراطية ذاتها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال إنشاء دولة الرفاهة الاجتماعية التي ساعدت في ضمان النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، لكن هذا التماسك عانى من نكسات كبرى في العقود الأخيرة، وتمكن منه الضعف بشدة بفعل أزمة عام 2008 المالية العالمية وجائحة «كوفيد19».

تتلخص المهمة الثانية التي يتعين على الديمقراطيات الاضطلاع بها من خلال أخذ زمام المبادرة بوضوح في خلق الظروف الاجتماعية الاقتصادية اللازمة لمواصلة تنمية الجنوب العالمي، وقد يُـفضي هذا أيضاً إلى تسهيل الالتزام بالقيم الديمقراطية في البلدان النامية.

الحق أن الديمقراطيات من الممكن أن تساعد قضيتها بشكل أكبر من خلال حشد الإرادة السياسية للوفاء بتعهدها بمساعدة الجنوب العالمي في تمويل تحوله إلى الاقتصاد الأخضر، في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في عام 2009 الذي استضافته مدينة كوبنهاغن، وعدت أكثر بلدان العالم ثراء بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للبلدان النامية لمساعدتها على تحمل تكاليف التخفيف والتكيف، لكن الاقتصادات المتقدمة لم تفٍ بوعدها.

بينما نحتاج بوضوح إلى تعزيز الديمقراطية، لا ينبغي لقيمنا الأساسية أن تمنعنا من العمل مع بلدان أخرى لحل التحديات العالمية الأكثر إلحاحا، وأنا أعتقد صادقاً أن هذا هو ما تستلزمه الديمقراطية.

 

* الممثل الأعلى الأسبق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، وأمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي ووزير خارجية إسبانيا سابقاً. يشغل حالياً منصب رئيس EsadeGeo ــ مركز أبحاث الاقتصاد العالمي والدراسات الجيوسياسية

opinion@albayan.ae

Email