كولين باول..سيرة وقصص ومواقف

ريتشارد هاس

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان كولين باول، مستشار الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ووزير الخارجية في الولايات المتحدة سابقاً، والذي توفي أخيرا، عن عمر يناهز 84 عاماً، أحد أبناء أسرة مهاجرة. كان رجلاً متفائلاً على نحو لا ينقطع، شخصاً ناصحاً للناس من حوله، ومن مقولاته: «لا تستقي المشورة من مخاوفك أو من المتشائمين»، و«التفاؤل الدائم عامل مضاعف لقوتك».

كل واحد منا محكوم بخبراته في وقت مبكر من حياته، ولم يكن باول استثناءً. كانت حرب فيتنام، حيث خدم لجولتين كضابط شاب في الجيش، هي تلك المرحلة من حياته. لقد أصبح شديد الإدراك للكيفية التي قد تُـفضي بها السياسات الرديئة والقيادة الهزيلة إلى خسارة الأرواح وتدمير المؤسسات، وخرج من الحرب بموقف شديد التحفظ إزاء الأفكار التجريدية العالمية التي ابتُـكِـرَت في واشنطن وجرى تنفيذها في منتصف الطريق حول العالم. بخبرته العسكرية المباشرة، لم تكن الحرب في نظر باول قَـط أقل من حقيقة مادية.

خلّفت تجربة باول في فيتنام تأثيراً عميقاً على فِـكرِه كصانع سياسات. وقد انعكس هذا في «عقيدة باول»، التي أنشأت معايير يجب مراعاتها قبل استخدام القوة العسكرية. كانت هذه العقيدة أقرب إلى نداء لتوخي الحذر في توظيف القوة العسكرية، إن كان من الوارد توظيفها على الإطلاق. كانت الحرب في نظر باول ملاذاً أخيراً. تبلورت عقيدة باول في أعقاب حرب الخليج الكلاسيكية التي دارت حقاً في ميدان المعركة وفي خضم المناقشات التي داورت حول التدخلات الأقل تقليدية في البلقان والصومال، فطرحت تساؤلات محددة تحتاج إلى إجابات.

هل تتوفر أهداف مهمة واضحة يمكن تحقيقها على أفضل وجه بالقوة العسكرية؟ هل تتجاوز الفوائد المحتملة التكاليف المتوقعة؟ كيف قد يغير الاستخدام الأولي للقوة العسكرية الوضع وماذا قد يتبع ذلك؟

كان هذا السؤال الأخير هو الذي جعله في الفترة التي سبقت حرب العراق عام 2003 يشير إلى قاعدة «حظيرة الفخار»: إذا كسرتها فهي لك. أدرك بأول أن مقياس أي تدخل ليس كيف بدأ بل كيف انتهى.

عملت عن قرب مع باول عندما كان رئيس هيئة الأركان المشتركة، وعملت في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ومرة أخرى عملت مع باول عندما كان وزيراً للخارجية وتوليت رئاسة فريق تخطيط السياسات الذي شكله في عهد جورج دبليو بوش. (كان باول أيضاً عضواً في مجلس العلاقات الخارجية طوال خمسة وثلاثين عاماً وخدم في مجلس إدارته خلال الفترة من 2006 إلى 2013). كان منزعجاً بشكل خاص إزاء الاستخدامات المحدودة للقوة لإعطاء إشارات للخصوم، بدلاً من استخدام القوة الطاغية لقهرهم. وقاده هذا إلى الامتناع عن احتضان حرب الخليج (1990 - 1991) إلى أن أعطاه الرئيس بوش الأب القوات والمعدات التي طلبها. دفعت ذات المجموعة من الأسئلة باول إلى تقديم المشورة ضد الذهاب إلى بغداد عام 1991، والتعامل بحذر مع خوض الحرب ضد العراق بعد عقد من الزمن في عهد الرئيس بوش الابن.

هل كان باول على صواب دوماً؟ كلاً بالطبع. كانت أكبر لطخة على سجله ظهوره بصفته وزيراً للخارجية أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير 2003 لاستعراض الحجج لصالح التدخل العسكري في العراق.

بعد ترك الحكومة، تحدث باول بصراحة ضد حالة الانجراف غير الليبرالي التي باتت تميز الحزب الجمهوري. وظل رجلاً معتدلاً وصاحب شخصية قوية حتى النهاية. في هذا، كان يشبه العديد من معاصريه، ومنهم برنت سكوكروفت وجورج شولتز، وكل منهما رحل أخيراً. من المؤسف لكل من الولايات المتحدة والعالم أن قِـلة من الشخصيات في الحياة العامة الأمريكية اليوم من الممكن أن تحل محلهم.

 

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية سابقاً

opinion@albayan.ae

Email