ضمور دور لندن المالي أوروبياً

هاورد ديفيز - رئيس مجلس إدارة مجموعة «نات ويست غروب».

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منظور الاتحاد الأوروبي، ستتحول لندن من كونها المركز المالي الرئيسي في الداخل إلى مركز مهم في الخارج. وسوف تكتسب مدن أخرى بعض الأعمال، وإن كانت الدلائل تشير إلى تطور نظام متعدد الأقطاب، بدون فائز منفرد. وستظل لندن تضطلع بدور مربح، لكن عصر المدينة الذهبي باعتبارها عاصمة أوروبا المالية سيتراجع حتماً، وهذا مآل كل العصور الذهبية.

بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وخلال الأشهر الخمسة التي تلت الخروج الفعلي، ظَـلَّ الجدال الدائر حول مستقبل «المدينة»، المركز المالي في لندن، أشبه بحوار بين صُـم.

يعتقد أولئك الذين صوتوا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى العكس، أن تأثير الخروج سيكون ضئيلا، وأن التحذيرات حول خسارة الوظائف وانتقال الأعمال إلى أماكن أخرى مبالغ فيها.

أما الناخبون الذين صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي فهم مبرمجون على الاعتقاد في عكس ذلك، ويتوقعون عواقب مأساوية كارثية، على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى غير ذلك. تُـرى ماذا يمكننا أن نتعلم مما حدث بالفعل؟

ينبغي لنا أن نُـقِـر أولاً بأن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد- 19) أربكت الصورة بشدة خلال الأشهر الثمانية عشر المنصرمة. ولم يجد الناس أي سهولة في تغيير مواقعهم، حتى ولو أرادوا ذلك. الأمر الأكثر أهمية أن بعض الترتيبات التنظيمية الموقتة ساعدت في التخفيف من حدة تأثير خروج المملكة المتحدة من السوق المالية الموحدة.

فقد قدمت لندن نظام تصاريح مؤقتة للشركات التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقراً لها، كما سمحت المفوضية الأوروبية بتخليص الأدوات المقومة باليورو في لندن حتى عام 2022، لتجنب الارتباك الذي كان ليحدثه التغير المفاجئ في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2020. لذا فإن ما نراه اليوم قد لا يعكس التأثير الكامل الأبعد أمداً الناجم عن الخروج البريطاني.

مع ذلك، تسمح لنا التغيرات التي طرأت حتى الآن بالبدء في تقييم مستقبل «المدينة» والعمليات المالية القائمة هناك. كانت إحدى الخطوات التي تصدرت العناوين الرئيسية ذلك التحول المفاجئ في تداول الأسهم الأوروبية من لندن إلى أمستردام في بداية العام.

في يناير، جرى تداول ما قيمته 9.2 مليارات يورو (11.2 مليار دولار أمريكي) في المتوسط من الأسهم يومياً في بورصة أمستردام، أي أربعة أضعاف حجم التداول في ديسمبر 2020، في حين سجل المتوسط اليومي في لندن هبوطاً حاداً إلى 8.6 مليارات يورو. ويمكن إرجاع هذا التحول إلى التنظيم: فلم تمنح المفوضية الأوروبية «التكافؤ» لأماكن التداول في المملكة المتحدة، وهي ليست في عجلة من أمرها للقيام بذلك.

هناك رأيان وفريقان في خصوص تقييم حال المدينة راهناً، لكن كلا الجانبين يعترفان من وجهة نظر اقتصادية بأن المدينة حيث يجري حجز عمليات التداول أقل أهمية من المدينة التي يدفع فيها التجار الضرائب المستحقة عليهم.

تحتفظ لندن بالعديد من عوامل الجذب: المدارس، والحياة الثقافية، والعديد من شبكات المغتربين الاجتماعية الراسخة. وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتمكن أي منافس مزعوم في الاتحاد الأوروبي من تقديم عرض مطابق معقول.

من المحتمل أن تظل لندن أكبر سوق مالية في أوروبا بمسافة كبيرة. وسوف تظل مرتبطة بشبكة عالمية: ربما تمثل المعاملات مع العملاء الأوروبيين ربع أعمالها. لكنها لن تظل المركز المالي الفعلي في القارة.

 

 

Email